وكان نبينا صلىاللهعليهوسلم مصدّقا لموسى عليهالسلام ، وحكم عليهم بالرّجم عملا بما في شريعة موسى (١) فهلّا احتجّوا عليه بذلك ، ولو احتجّوا لشاع نقل ذلك ، فدل على أنه قول ابتدع بعد نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم.
فصل
وأما قول من قال : إن عيسى ومحمدا عليهماالسلام كانا نبيين لكنهما لم يبعثا إلى بني إسرائيل ؛ فتغفيل من قائله ، لأنه إذا أقرّ بنبوة نبيّ فقد أقرّ بصدقه ، لأن النبي لا يكذب ، وقد كان عيسى عليهالسلام يخاطب بني إسرائيل ، ونبينا صلىاللهعليهوسلم يقول : «بعثت إلى النّاس كافة» (٢) ويكاتب ملوك الأعاجم.
فصل
فأما الفرق بين النسخ والبداء ، فذلك من وجهين :
الأول : أن النسخ : تغيير عبادة أمر بها المكلّف ، وقد علم الآمر حين الأمر أن لتكليف المكلف بها غاية ينتهي الإيجاب إليها ثم يرتفع بنسخها.
والبداء : أن ينتقل الأمر عن ما أمر به وأراده دائما بأمر حادث ، لا بعلم سابق.
والثاني : أن سبب النسخ لا يوجب إفساد الموجب لصحّة الخطاب الأول ، والبداء يكون سببه دالا على إفساد الموجب لصحّة الأمر الأول ، مثل : أن يأمره بعمل يقصد به مطلوبا ، فيتبين أن المطلوب لا يحصل بذلك الفعل ، فيبدو له ما يوجب الرجوع عنه ، وكلا الأمرين يدل على قصور في العلم ، والحق عزوجل منزّه عن ذلك (٣).
الباب الثاني
باب إثبات أن في القرآن منسوخا
انعقد إجماع العلماء على هذا ، إلا أنه قد شذّ من لا يلتفت إليه ؛ فحكى أبو
__________________
(١) انظر «صحيح مسلم» رقم (١٦٩٩).
(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري (٣٣٥ ، ٤٣٨ ، ٣١٢٢) ومسلم (٥٢١) وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله.
(٣) وانظر «الناسخ والمنسوخ» لأبي جعفر ابن النحاس (ص ١١ ، ١٢) و «الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (١ / ٢٣٧).