.................................................................................................
______________________________________________________
قلت : إنّ ظاهر القضيّتين نفي وجود الممكن في الخارج ، لأنّ الشيء إن وجد فهو واجب وإلّا فهو ممتنع. واتّصاف الشيء بالإمكان إنّما هو في العقل لا في الخارج.
وتحقيقه على ما ذكره بعض أهل المعقول : أنّ الإمكان إنّما يعرض الماهيّة من حيث هي ، لا مأخوذة مع وجودها ولا مأخوذة مع عدمها ، وكذا غير مأخوذة مع وجود علّتها وعدمها ، فإنّ الإمكان نسبة بين الماهيّة من حيث هي هي وبين الوجود والعدم أمّا إذا أخذت الماهيّة مع الوجود ، فإنّ نسبتها حينئذ إلى الوجود بالوجوب لا بالإمكان ، ويسمّى ذلك وجوبا لاحقا. وإذا أخذت مع العدم تكون نسبتها إلى العدم بالامتناع لا بالإمكان ، ويسمّى ذلك امتناعا لاحقا. وكلاهما يسمّى ضرورة بشرط المحمول وأمّا إذا أخذت الماهيّة مع وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ، ويسمّى ذلك وجوبا سابقا. وإن أخذت مع عدم علّتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة معدومة ، ويسمّى ذلك امتناعا سابقا. وكلّ موجود محفوف بوجوبين سابق ولاحق ، وكلاهما وجوب بالغير. وكلّ معدوم محفوف بامتناعين سابق ولاحق ، وكلاهما بالغير.
هذا ، ويمكن دفع الإيراد بأنّ الأشياء في الخارج وإن لم يخرج من كونه واجبا أو ممتنعا ، إلّا أنّ قطع النظر عن الوجود والعدم لا يوجب كون الشيء أمرا اعتباريّا ، وإلّا لم يصدق قولنا : زيد موجود ، لأنّ نسبة الوجود إلى زيد تقتضي أخذه معرّى عن قيدي الوجود والعدم ، وإلّا لزم حمل الشيء على نفسه أو اجتماع النقيضين ، وكلاهما باطلان. ومع تعريته عن القيدين فهو معروض للوجود في الخارج ، فلو كان أمرا اعتباريّا لم يصلح أن يكون معروضا للوجود في الخارج.
وتوضيحه : أنّ العقل قد يلاحظ الشيء معرّى عن القيدين ، بحيث يصلح أن يخبر عنه بالوجود أو العدم ، فتارة يخبر عنه باعتبار وقوعه في الخارج فيقول : زيد موجود ، واخرى يخبر عنه باعتبار عدمه في الخارج فيقول : زيد ليس بموجود. وعلى التقديرين فالملحوظ عند العقل أمر صالح للوجود والعدم ، ولكن معروض