إلى القبلة المنسوخة دفع في الحقيقة (٢٢٨٣) للتكليف ، لا رفع. ونظير ذلك في غير الأحكام الشرعيّة ما سيجيء من إجراء الاستصحاب في مثل الكريّة وعدمها ، وفي الامور التدريجيّة (٢٢٨٤) المتجدّدة شيئا فشيئا ، وفي مثل وجوب الناقص (٢٢٨٥) بعد تعذّر بعض الأجزاء فيما لا يكون الموضوع فيه باقيا إلّا بالمسامحة العرفيّة ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
حجّة القول الثامن وجوابها يظهر بعد بيانه وتوضيح القول فيه. فنقول : قد نسب جماعة إلى الغزاليّ القول بحجيّة الاستصحاب وإنكارها في استصحاب حال الإجماع ، وظاهر ذلك كونه مفصّلا في المسألة.
______________________________________________________
٢٢٨٣. بل لا دفع في الحقيقة أيضا ، لأنّ النسخ كاشف عن عدم مطلوبيّة الفعل بعد زمان النسخ ، وعدم وجود المصلحة فيه بعده ، نظير التخصيص بحسب الأفراد ، والدفع إنّما يصدق مع وجود المقتضي للحكم لا مع عدمه.
٢٢٨٤. كالزمان والزمانيّات ، مثل التكلّم ونحوه.
٢٢٨٥. كاستحباب وجوب باقي أجزاء المركّب بعد تعذّر بعضها ، فإنّ المقصود منه إثبات الوجوب النفسي لباقي الأجزاء بعد تعذّر بعضها. مع أنّ الوجوب النفسي كان متعلّقا في حال تيسّر الكلّ بالكلّ لا ببعضها ، والفرض انتفائه بتعذّر بعض أجزائه ، فاستصحاب الوجوب النفسي لا يتمّ إلّا بالمسامحة العرفيّة ، بدعوى كون الأجزاء الباقية هو ما كان واجبا في الزمان السابق.
ويحتمل أن تكون المسامحة في المستصحب دون موضوعه ، بأن يدّعى كون الوجوب المتعلّق بالأجزاء في زمان تيسّر الكلّ هو الوجوب الذي اريد إثباته في زمان الشكّ ، ومرجعه إلى المسامحة في دعوى كون الوجوب الغيري هو الوجوب النفسي في نظر أهل العرف ، لعدم التفاتهم إلى جهة اختلافهما ، وغفلتهم عن مغايرة المطلوبيّة للغير للمطلوبيّة النفسيّة. وقد أشار المصنّف رحمهالله إلى الوجهين في مسألة البراءة.