وإن أراد به الإسكات (٢٥٢٢) والإلزام ، ففيه : أنّ الاستصحاب ليس دليلا إسكاتيّا ؛ لأنّه فرع الشكّ ، وهو أمر وجداني كالقطع لا يلزم (*) به أحد.
وإن أراد بيان أنّ مدّعي ارتفاع الشريعة السابقة ونسخها محتاج إلى الاستدلال ، فهو غلط ؛ لأنّ مدّعي البقاء في مثل المسألة أيضا يحتاج إلى الاستدلال عليه.
الثاني : أنّ اعتبار الاستصحاب إن كان من باب الأخبار ، فلا ينفع الكتابيّ التمسّك به ؛ لأنّ ثبوته في شرعنا مانع عن استصحاب النبوّة ، وثبوته في شرعهم غير معلوم. نعم ، لو ثبت ذلك من شريعتهم أمكن التمسّك به ؛ لصيرورته حكما إلهيّا غير منسوخ يجب تعبّد الفريقين به. وإن كان من باب الظنّ ، فقد عرفت في صدر البحث أنّ حصول الظنّ ببقاء الحكم الشرعيّ الكلّي ممنوع جدّا ، وعلى تقديره فالعمل بهذا الظنّ في مسألة النبوّة ممنوع. وإرجاع الظنّ بها إلى الظنّ بالأحكام الكليّة الثابتة في تلك الشريعة أيضا لا يجدي ؛ لمنع الدليل على العمل بالظنّ ، عدا دليل الانسداد الغير الجاري في المقام مع التمكّن من التوقّف والاحتياط في العمل. ونفي الحرج لا دليل عليه (٢٥٢٣) في الشريعة السابقة ، خصوصا بالنسبة إلى قليل من الناس ممّن لم يحصل له العلم بعد الفحص والبحث.
______________________________________________________
٢٥٢٢. نظرا إلى اعتراف المسلمين بحجيّة الاستصحاب في شرعهم. وحاصل ما أجاب به : أنّ الإسكات والإلزام إنّما يأتي مع اعتراف المسلمين بالشكّ ، وليس كذلك ، لدعوى المسلمين القطع بكون الشريعة السابقة منسوخة بشرعهم.
٢٥٢٣. لأنّ نفيه شرعيّ وليس بعقلي ، ولم يثبت دليل عليه في الشريعة السابقة. وأنت خبير بأنّه إنّما يتمّ إذا لم يبلغ الحرج حدّا يوجب اختلال نظم امور المكلّف معاشا ومعادا ، وإلّا فلا ريب في استقلال العقل بنفيه. والمطلوب إنّما يتمّ على تقدير عدم لزوم هذه المرتبة من الحرج من الجمع بين أحكام الشريعتين ، وهو موقوف على ملاحظة أحكامهما وسبرها ولو إجمالا. ويمكن نفي الإشكال عنه فيما لو انسدّ باب العلم في إحدى الشريعتين أو كليهما ، لما ذكره المصنّف رحمهالله
__________________
(*) في بعض النسخ بدل : «لا يلزم» ، لا يلتزم.