لم يقدح في إجراء أصالة عدم النسخ في المشكوكات (٢٤٣٩) ؛ لأنّ الأحكام المعلومة في شرعنا بالأدلّة واجبة العمل سواء كانت من موارد النسخ أم لا ، فأصالة عدم النسخ فيها غير محتاج إليها ، فيبقى أصالة عدم النسخ في محلّ الحاجة سليمة عن المعارض ؛ لما تقرّر في الشبهة المحصورة : من أنّ الأصل في بعض أطراف الشبهة إذا لم يكن جاريا أو لم يحتج إليه ، فلا ضير في إجراء الأصل في البعض الآخر ، ولأجل ما ذكرنا استمرّ بناء المسلمين في أوّل البعثة على الاستمرار على ما كانوا عليه حتّى يطّلعوا على الخلاف.
إلّا أن يقال (٢٤٤٠) : إنّ ذلك كان قبل إكمال شريعتنا ، وأمّا بعده فقد جاء النبيّ صلىاللهعليهوآله بجميع ما يحتاج إليه الامّة إلى يوم القيامة ، سواء خالف الشريعة السابقة أم وافقها ، فنحن مكلّفون بتحصيل ذلك الحكم موافقا أم مخالفا ؛ لأنّه مقتضى التدين بهذا الدين. ولكن يدفعه : أنّ المفروض حصول الظنّ المعتبر من الاستصحاب ببقاء حكم الله السابق في هذه الشريعة ، فيظنّ بكونه ممّا جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله. ولو بنينا على الاستصحاب تعبّدا فالأمر أوضح ؛ لكونه حكما كلّيا في شريعتنا بإبقاء ما ثبت في السابق.
______________________________________________________
٢٤٣٩. يعني : الأحكام المشكوكة التي لم تثبت بالأدلّة الشرعيّة.
٢٤٤٠. الظاهر أنّ المراد أنّه بعد إكمال شرعنا ومجيء نبيّنا صلىاللهعليهوآله بجميع ما يحتاج إليه الامّة يجب الإذعان والتديّن به ، سواء خالف الشريعة السابقة أم وافقها ، فلا يبقى حينئذ مورد للاستصحاب ، لأنّه فرع حصول الشكّ في ثبوت الحكم المستصحب في شرعنا ، وقد فرضنا علمنا بمجيء النبيّ صلىاللهعليهوآله في كلّ واقعة بحكم مخصوص ، سواء خالف الشريعة السابقة أم وافقها.
وحاصل الدفع : أنّ هذا الوجه إنّما يتمّ لو علمنا بأحكام جميع الوقائع في شرعنا. وأمّا مع الجهل بحكم بعضها مع علمنا بحكمه في الشريعة السابقة ، فالاستصحاب يقضي بكون حكم هذه الواقعة في شرعنا ما ثبت من حكمها في الشريعة السابقة.