أقول : يرد عليه أوّلا : منع ما ذكره من عدم كون قبح التجرّي ذاتيّا ؛ لأنّ التجرّي على المولى قبيح ذاتا (٣٤)
______________________________________________________
العقاب حينئذ ، كما يرجّح استحقاقه في صورة العكس. وأمّا صورة التساوي والتعارض فكالأوّل ، لعدم المقتضي للاستحقاق بعد التعارض والتساقط.
٣٤. يؤيّده ـ بل يدلّ عليه ـ أنّ قبح التجرّي ممّا لا ينبغي الارتياب فيه ، ولا سبيل للعقل إلى إدراك قبح الفعل أو حسنه بالوجوه والاعتبار ، إذ معنى كونهما بالوجوه والاعتبار أن لا يكون في الفعل من حيث هو حسن ولا قبح ، وإنّما يعرضه أحدهما باعتبار طروّ العوارض الخارجة التي هي محالّهما حقيقة. ولا ريب أنّ اكتساب الفعل للحسن أو القبح من الامور الخارجة موقوف على انتفاء موانعه ، إذ مع معارضة الجهات الخارجة في الحسن والقبح لا يمكن عروض جهة حسن أو قبح للفعل ، فإدراك العقل لحسن الأفعال أو قبحها موقوف على إحاطته بجميع جهات الفعل ، وعقولنا قاصرة عن الإحاطة بها ، وإحاطة العقول الكاملة ـ كعقول الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ـ خارجة من محلّ الكلام. وإدراك بعض الجهات المحسّنة أو المقبّحة مع احتمال وجود مزاحمه في الواقع غير مجد في حكم العقل ، إذ لا بدّ في حكمه من إحراز جميع جهات موضوعه نفيا وإثباتا ، فحيث يستقلّ العقل بحسن فعل أو قبحه فعلا لا بدّ أن يكون ذلك ممّا يكون حسنه أو قبحه ذاتيّا ، لعدم مزاحمتهما بشيء من الجهات المحسّنة والمقبّحة.
ولا ينافي ما ذكرنا كون حسن بعض الأفعال أو قبحه بالوجوه والاعتبار ، فإنّ ذلك إنّما هو بحسب الواقع لا بحسب إدراك العقل. ولذا ترى أنّ القائلين بالتحسين والتقبيح العقليّين لم يمثّلوا للمستقلّات العقليّة إلّا بما حسنه أو قبحه ذاتي كالإحسان والظلم ، مع قول أكثرهم بالوجوه والاعتبار ، وليس ذلك إلّا من جهة عدم وجود مثال في العقول لما يكون حسنه أو قبحه بالوجوه والاعتبار.