لذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب ؛ لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب ، بخلاف ما لو ترك العمل به ، فأنّ المظنون فيه عدمها (٣٠).
ومن هنا يظهر : أنّ التجرّي على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها (٣١) أشدّ منه في مندوباتها ، ويختلف باختلافها (٣٢) ضعفا وشدّة كالمكروهات ، ويمكن أن يراعى في الواجبات الواقعيّة ما هو الأقوى من جهاته (٣٣) وجهات التجري (٨). انتهى كلامه رفع مقامه.
______________________________________________________
من هنا حكم المشهور بالإجزاء في الأوامر الظاهريّة ، وإلّا فلازم الطريقيّة المحضة خلافه كما قرّر في محلّه. فحينئذ إذا أدّى الطريق إلى خلاف الواقع فتجرّى فلم يفعل فلا وجه حينئذ لالتزام عدم العقاب على مخالفة الطريق ، نظرا إلى قضيّة معارضة الجهة الواقعيّة للجهة الظاهريّة ، لمنع المعارضة ، إذ في مخالفة الطريق مفسدة قبح التجرّي ومفسدة تفويت مصلحة الطريق ، فتكون الجهة الظاهريّة هنا أقوى ، بخلاف القطع إذا تخلّف عن الواقع ، فإنّه ليس في القطع مصلحة سوى مصلحة الوصول إلى الواقع ، فإذا تخلّف عن الواقع لا تبقى فيه مصلحة أصلا ، فحينئذ تصحّ دعوى معارضة الجهة الظاهريّة مع الجهة الواقعيّة في صورة التجرّي ، بخلاف مخالفة الطرق المنصوبة ، سيّما على مذهب المفصّل من اعتبار الحسن والقبح في التكليف ، كما سنشير إليه في بعض الحواشي الآتية. وظاهر كلام المشهور في مسألة الحسن والقبح أعمّ من الأحكام الظاهريّة والواقعيّة كما لا يخفى.
٣٠. الضمير الأوّل عائد إلى الترك ، والثاني إلى السلامة.
٣١. يعني : التجرّي في المباحات.
٣٢. يعني : يختلف التجرّي باختلاف مراتب المندوبات بالتأكّد وعدمه.
٣٣. أي : الواقع. فحينئذ إن كانت جهة حسن الفعل في الواقع أقوى من جهة قبح التجرّي ، بأن كان الفعل بعنوانه الذي تعلّق به الوجوب في الواقع أهمّ وأولى منه بعنوانه الذي تعلّقت به الحرمة في اعتقاد الفاعل ، يرجّح عدم استحقاق