سواء كان لنفس الفعل (٣٥) أو لكشفه عن كونه جريئا كالظلم ، بل هو قسم من الظلم (٣٦) ، فيمتنع عروض الصفة المحسّنة له ، وفي مقابله الانقياد لله سبحانه وتعالى ، فإنّه يمتنع أن يعرض له جهة مقبّحة.
______________________________________________________
٣٥. يعني : سواء قلنا بكون قبح التجرّي من حيث كونه إقداما على الحرام وأنّه قبيح ذاتا ، أم قلنا بكون قبحه من حيث كشف الفعل عن الصفة الخبيثة الباطنيّة. ومختاره هو الثاني. والأوّل مبنيّ على مذهب المشهور من تأثير الاعتقاد المجرّد عن الواقع في حرمة الفعل أو وجوبه.
٣٦. فإنّ الظلم هو ما لا يجوز فعله عقلا أو شرعا بالنسبة إلى المظلوم ، ولا ريب أنّ الإقدام على مخالفة المولى والكون معه في مقام الطغيان ممّا لا يجوز عقلا ، فإنّ فيه إضاعة حقّ المولى من الانقياد والإطاعة له.
فإن قلت : إنّ تشبيه قبح التجرّي بقبح الظلم ، بل تصريحه بأنّه قسم من الظلم ، وقوله في الجواب الثاني : «وليس من قبيل الأفعال التي لا يدرك العقل ...» ظاهر بل صريح في كون التجرّي من قبيل الأفعال التي يستحقّ فاعلها العقاب ، وهو ينافي ما تقدّم في الجواب عن استدلال المشهور ـ على تأثير الاعتقاد المجرّد عن الواقع في وجوب ما اعتقده واجبا أو حرمة ما اعتقده حراما ـ بقبح التجرّي ، من أنّ مذمّة المتجرّي إنّما هي لأجل كشف الفعل المتجرّى به عن خبث الفاعل لا لأجل مبغوضيّة الفعل ، وأنّ حكم العقل باستحقاق الذمّ إنّما يلازم استحقاق العقاب شرعا إذا تعلّق بالفعل لا بالفاعل ، فإنّه ظاهر بل صريح في كون التجرّي من باب الصفة دون الفعل ، وأنّه لا يستحقّ من أجله العقاب ، فالتنافي بين المقامين ظاهر.
قلت : أمّا تشبيهه بالظلم فإنّما هو في مجرّد القبح الذاتي واستحقاق الذمّ ولو لأجل الصفة المنكشفة ، فلا دلالة فيه على خلاف ما تقدّم. وأمّا تصريحه بأنّه قسم من الظلم وما صرّح به في الجواب الثاني فهما ـ كما نقل عن المصنّف رحمهالله ـ مبنيّان على تسليم مقالة الخصم من كون التجرّي من قبيل الأفعال التي