ذكرنا عدم (٢٨٩) قابليّة العدالة والفسق لإناطة الحكم بهما وجودا وعدما تعبّدا كما في الشهادة والفتوى ونحوهما ـ بل المراد أنّ الآية المذكورة لا تدلّ إلّا على مانعيّة الفسق من حيث قيام احتمال تعمّد الكذب معه ، فيكون مفهومها عدم المانع في العادل من هذه الجهة ، فلا يدلّ على وجوب قبول خبر العادل إذا لم يمكن نفي خطائه بأصالة عدم الخطأ المختصّة بالأخبار الحسيّة ، فالآية لا تدلّ أيضا على اشتراط العدالة ومانعيّة الفسق في صورة العلم بعدم تعمّد (*) الكذب ، بل لا بدّ له من دليل آخر ، فتأمّل.
______________________________________________________
٢٨٩. محصّل ما ذكره في معنى الآية الشريفة كونها منساقة لبيان اشتراط العدالة ومانعيّة الفسق في العمل بخبر المخبر ، لأجل انتفاء احتمال تعمّد الكذب في العادل بحكم الشارع ، وبقاء هذا الاحتمال في الفاسق ، ساكتة عن بيان وجوب التبيّن عن خبرهما وعدمه من سائر الجهات ، مثل احتمال الخطأ والنسيان ونحوهما. فكأنّه قال : يجب عليكم التبيّن عن خبر الفاسق من هذه الجهة ، ولا يجب التبيّن عن خبر العادل من هذه الجهة. ومقتضاه عدم اشتراط العدالة في مورد انتفى فيه احتمال تعمّد الكذب عن خبر الفاسق ، ولكن لا ينافيه اشتراطها تعبّدا في بعض الموارد بدليل خارج ، كما في الشهادة والفتوى. وكذا مقتضاه عدم دلالتها على اعتبار خبر العادل من حيث احتمال الخطأ والنسيان ونحوهما ، فيشاركه خبر الفاسق من هذه الجهة ما لم يقم دليل على نفيهما فيه. وكذا لو احتمل اشتراط شيء آخر في حجّية الخبر سوى العدالة ، كما إذا احتمل اشتراط تعدّد المخبر فيها كالشهادة ، فإنّ مقتضى ما حقّق به المقام عدم نهوض الآية لنفي هذه الاحتمالات ، فتكون الآية حينئذ قضيّة مجملة مهملة من غير جهة بيان نفي احتمال تعمّد الكذب في خبر العادل.
هذا ، ولكنّ المنصف الناظر في ظاهر الآية ـ بناء على اعتبار المفهوم فيها وصفا أو شرطا ـ يقطع بكون ذلك خلاف ظاهر الآية ، لوضوح ظهورها في بيان
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «تعمّد» ، تعمّده.