لا يحكم العادة ـ ولو ظنّا ـ بأنّها لو كانت لظفرنا بها ؛ إذ كثير من الامور قد اختفت علينا ، بل لا يبعد دعوى العلم بأنّ ما اختفى علينا من الأخبار والقرائن أكثر ممّا ظفرنا بها ، مع أنّا لو سلّمنا حصول الظنّ بانتفاء القرائن المتّصلة ، لكنّ القرائن الحاليّة وما اعتمد عليه المتكلّم من الامور العقليّة أو النقليّة الكلّية أو الجزئيّة المعلومة عند المخاطب الصارفة لظاهر الكلام ليست ممّا يحصل الظنّ بانتفائها بعد البحث والفحص. ولو فرض حصول الظنّ من الخارج بإرادة الظاهر من الكلام لم يكن ذلك ظنّا مستندا إلى الكلام ، كما نبّهنا عليه في أوّل المبحث (٢٤٩).
وبالجملة ، فظواهر الألفاظ حجّة ـ بمعنى عدم الاعتناء باحتمال إرادة خلافها ـ إذا كان منشأ ذلك الاحتمال غفلة المتكلّم في كيفيّة الإفادة أو المخاطب في كيفيّة الاستفادة ؛ لأنّ احتمال الغفلة ممّا هو مرجوح في نفسه ومتّفق على عدم الاعتناء به في جميع الامور ، دون ما إذا كان الاحتمال مسبّبا عن اختفاء امور لم تجر العادة القطعيّة أو الظنّية بأنّها لو كانت لوصلت إلينا.
ومن هنا ظهر : أنّ ما ذكرنا سابقا (٢٥٠) ـ من اتّفاق العقلاء والعلماء على
______________________________________________________
٢٤٩. لعلّه أشار بذلك إلى ما ذكره في أوائل المبحث بقوله : «وبالجملة الامور المعتبرة عند أهل اللسان» إلى آخر ما ذكره ، لاختصاص ذلك بما يعدّ قرينة للكلام بحيث يستند إليه ظهوره ، فلا يشمل سائر الظنون التي لا تعطي الكلام ظهورا كما في المقام.
٢٥٠. لا يخفى أنّه لم يسبق ذكر لذلك في كلامه. نعم ، قد سبقت عند عنوان المبحث دعوى الاتّفاق على اعتبار الظواهر ، ولكن مطلقا لا في خصوص الدعاوي والأقارير والشهادات كما هو ظاهر كلامه. وكيف كان ، فوجه عدم إجداء ذلك في ردّ هذا التفصيل هو كون حجّية الظواهر في مقام الدعاوي والأقارير ونحوهما بالنسبة إلى كلّ من سمعها وإن لم يكن مقصودا بالخطاب ، لأجل كون احتمال خلافها مسبّبا عن احتمال الغفلة من المتكلّم في إيراد كلامه على وجه يفي بمراده ، أو من السامع في الاستماع والاستفادة ، لا من سنوح السوانح الخارجة.