ويمكن توجيه هذا التفصيل : بأنّ الظهور اللفظي ليس حجّة إلّا من باب الظنّ النوعي (٢٤٧) ـ وهو كون اللفظ بنفسه لو خلّي وطبعه مفيدا للظنّ بالمراد ـ فإذا كان مقصود المتكلّم من الكلام إفهام من يقصد إفهامه ، فيجب عليه إلقاء الكلام على وجه لا يقع معه الملقى إليه في خلاف المراد (*) ، بحيث لو فرض وقوعه في خلاف المقصود كان إمّا لغفلة منه في الالتفات إلى ما اكتنف به الكلام الملقى إليه ، وإمّا لغفلة من المتكلّم في إلقاء الكلام على وجه يفي بالمراد ، ومعلوم أنّ احتمال الغفلة من المتكلّم أو السامع احتمال مرجوح في نفسه ، مع انعقاد الإجماع من العقلاء والعلماء على عدم الاعتناء باحتمال الغفلة في جميع امور العقلاء ، أقوالهم وأفعالهم.
وأمّا إذا لم يكن الشخص مقصودا بالإفهام ، فوقوعه في خلاف المقصود لا ينحصر سببه في الغفلة ؛ فإنّا إذا لم نجد في آية أو رواية ما يكون صارفا عن ظاهرها ، واحتملنا أن يكون المخاطب قد فهم المراد بقرينة قد اختفت علينا ، فلا يكون هذا الاحتمال لأجل غفلة من المتكلّم أو منّا ؛ إذ لا يجب على المتكلّم إلّا نصب القرينة لمن يقصد إفهامه ، مع أنّ عدم تحقّق الغفلة (٢٤٨) من المتكلم في محلّ الكلام مفروض ؛ لكونه معصوما ، وليس اختفاء القرينة علينا مسبّبا عن غفلتنا عنها ، بل لدواعي الاختفاء الخارجة عن مدخليّة المتكلّم ومن القي إليه الكلام. فليس هنا شيء يوجب بنفسه الظنّ بالمراد حتّى لو فرضنا الفحص ، فاحتمال وجود القرينة حين الخطاب واختفائه علينا ليس هنا ما يوجب مرجوحيّته حتّى لو تفحّصنا عنها ولم نجدها ؛ إذ
______________________________________________________
الكلام نحو الغير للإفهام أو الكلام الملقى كذلك فتدبّر.
٢٤٧. قد يسمّى بالظنّ الطبيعي أيضا.
٢٤٨. قد يقال : إنّ الأولى ذكر هذه الفقرة بعد قوله : «في جميع امور العقلاء أقوالهم وأفعالهم» إذ المقصود هنا ذكر موانع الظنّ ، وهناك ذكر أسبابه ودفع موانعه ، ولكنّك خبير بوجه مناسبتها للمقام.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «على وجه ... خلاف المراد» ، على وجه لا يقع المخاطب معه في خلاف المراد.