العمل بظواهر الكلام في الدعاوى والأقارير والشهادات والوصايا والمكاتبات ـ لا ينفع في ردّ هذا التفصيل ، إلّا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد ، ودون إثباتها خرط القتاد.
ودعوى : أنّ الغالب اتّصال القرائن ، فاحتمال اعتماد المتكلّم على القرينة المنفصلة مرجوح لندرته. مردودة : بأنّ من المشاهد المحسوس تطرّق التقييد والتخصيص إلى أكثر العمومات والإطلاقات مع عدم وجوده في الكلام ، وليس إلّا لكون الاعتماد في ذلك كلّه على القرائن المنفصلة ، سواء كانت منفصلة عند الاعتماد ـ كالقرائن العقليّة والنقليّة الخارجيّة ـ أم كانت مقاليّة متّصلة لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك ؛ لعروض التقطيع للأخبار أو حصول التفاوت من جهة النقل بالمعنى أو غير ذلك ، فجميع ذلك ممّا لا يحصل الظنّ بأنّها لو كانت لوصلت إلينا. مع إمكان أن يقال : إنّه لو حصل الظنّ لم يكن على اعتباره دليل خاصّ (٢٥١). نعم ، الظنّ الحاصل في مقابل احتمال الغفلة الحاصلة للمخاطب أو المتكلّم ممّا أطبق عليه العقلاء في جميع أقوالهم وأفعالهم.
هذا غاية ما يمكن من التوجيه لهذا التفصيل. ولكنّ الإنصاف أنّه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد ؛ فإنّ جميع ما دلّ من إجماع العلماء وأهل اللسان على حجّية الظاهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه جار في من لم يقصد ؛ لأنّ أهل اللسان إذا نظروا إلى كلام صادر من متكلّم إلى مخاطب ، يحكمون بإرادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص في مظانّ وجودها ، ولا يفرّقون في استخراج مرادات المتكلّمين بين كونهم مقصودين بالخطاب وعدمه ، فإذا وقع المكتوب الموجّه من شخص إلى شخص بيد ثالث ، فلا يتأمّل في استخراج مرادات المتكلّم من الخطاب الموجّه (*) إلى المكتوب إليه ، فإذا فرضنا اشتراك هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولى منه ، فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطّلاع على مراد المولى ، وهذا واضح لمن راجع الأمثلة العرفيّة.
______________________________________________________
٢٥١. لما أشار إليه آنفا بقوله : «ولو فرض حصول الظنّ من الخارج».
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الموجّه» ، المتوجّه.