في المؤدّى ، كما في قوله تعالى : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) (٤٤) ، حيث قرئ بالتشديد من التطهّر الظاهر في الاغتسال ، وبالتخفيف من الطهارة الظاهرة في النقاء من الحيض ، فلا يخلو : إمّا أن نقول بتواتر القراءات كلّها كما هو المشهور (٤٥) ، خصوصا فيما كان الاختلاف في المادّة ، وإمّا أن لا نقول كما هو مذهب جماعة. فعلى الأوّل فهما بمنزلة آيتين تعارضتا ، لا بدّ من الجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ أو على الأظهر ، ومع التكافؤ لا بدّ من الحكم بالتوقّف والرجوع إلى غيرهما. وعلى الثاني فإن ثبت جواز الاستدلال بكلّ قراءة ـ كما ثبت بالإجماع جواز القراءة بكلّ قراءة ـ كان الحكم كما تقدّم ، وإلّا فلا بدّ من التوقّف في محلّ التعارض والرجوع إلى القواعد مع عدم المرجّح ، أو مطلقا بناء على عدم ثبوت الترجيح هنا (*) ، فيحكم باستصحاب الحرمة قبل الاغتسال ؛ إذ لم يثبت تواتر التخفيف ، أو بالجواز بناء
______________________________________________________
في شموله لكلّ زمان بالعموم الأفرادي دليلا بالنسبة إلى الاستصحاب ، بل لا معنى له بعد فرض كون كلّ زمان موضوعا بحياله ، وإن قطع النظر عن شمول حكم العامّ لها. هذا كلّه فيما وافقت إحدى القراءتين عموما أو أصلا. وإن خالفتاهما فيتخيّر حينئذ في العمل بأيّهما أراد من باب حكم العقل دون الأخبار كما تقدّم. وهذا كلّه من حيث استفادة الحكم ، وأمّا من حيث القراءة بهما فيتخيّر أيضا بينهما.
فإن قلت : إنّ المقام من قبيل الشكّ في المكلّف به ، إذ القرآن ما يقرأ بأحد وجوه القراءة المعيّن في الواقع المجهول عندنا ، فلا يحصل اليقين بالخروج من عهدة التكليف المتعلّق بما اشترطت فيه قراءة القرآن بقراءة إحدى القراءتين فصاعدا ، فلا بدّ من الإتيان بالجميع لتحصيل اليقين بالبراءة.
قلت : نعم ، هذا متّجه لو لا قيام إجماع الإماميّة على خلافه ، لإطباقهم على التخيير في القراءة بأنحاء القراءات.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : كما هو الظاهر.