لأنّه نزل على اصطلاح خاصّ ، لا أقول على وضع جديد ، بل أعمّ من أن يكون ذلك أو يكون فيه مجازات لا يعرفها العرب (٢٢٩) ، ومع ذلك قد وجدت فيه كلمات لا يعلم المراد منها كالمقطّعات.
ثمّ قال : قال سبحانه (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ...) (٣٨) ذمّ على اتّباع المتشابه ، ولم يبيّن لهم المتشابهات ما هي؟ وكم هي؟ بل لم يبين لهم المراد من هذا اللفظ ، وجعل البيان موكولا إلى خلفائه ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله نهى الناس عن التفسير بالآراء ، وجعلوا الأصل عدم العمل بالظنّ إلّا ما أخرجه الدليل.
إذا تمهّدت المقدّمتان ، فنقول : مقتضى الاولى العمل بالظواهر ومقتضى الثانية عدم العمل ؛ لأنّ ما صار متشابها لا يحصل الظنّ بالمراد منه ، وما بقى ظهوره مندرج في الأصل المذكور ، فنطالب بدليل جواز العمل ؛ لأنّ الأصل الثابت عند الخاصّة هو عدم جواز العمل بالظنّ إلّا ما أخرجه الدليل.
لا يقال : إنّ «الظاهر» من المحكم ، ووجوب العمل بالمحكم إجماعي. لأنّا نمنع الصغرى ، إذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنصّ ، وأمّا شموله للظاهر فلا. إلى أن قال : لا يقال : إنّ ما ذكرتم ـ لو تم ـ لدلّ على عدم جواز العمل بظواهر الأخبار أيضا ؛ لما فيها من الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والعامّ المخصّص ، والمطلق المقيّد. لأنّا نقول : إنا لو خلّينا وأنفسنا ، لعملنا بظواهر الكتاب والسنّة مع عدم نصب القرينة على خلافها ، ولكن منعنا من ذلك في القرآن للمنع من اتّباع المتشابه وعدم بيان حقيقته ، ومنعنا رسول الله صلىاللهعليهوآله عن تفسير القرآن ، ولا ريب في أنّ غير النصّ محتاج إلى التفسير. وأيضا : ذمّ الله تعالى على اتّباع الظنّ وكذا الرسول صلىاللهعليهوآله وأوصيائه عليهمالسلام ، ولم يستثنوا ظواهر القرآن. إلى أن قال : وأمّا الأخبار ، فقد سبق أنّ أصحاب الأئمّة عليهمالسلام كانوا عاملين بأخبار الآحاد من غير فحص عن مخصّص أو معارض ناسخ أو مقيّد ، ولو لا هذا لكنّا في العمل بظواهر الأخبار أيضا من المتوقّفين ، انتهى.
______________________________________________________
٢٢٩. كألفاظ العبادات على القول بعدم ثبوت حقيقة شرعيّة فيها.