بيان الترخيص في أصل تشريع القصر وكونه مبنيّا على التخفيف ، فلا ينافي تعيّن القصر على المسافر وعدم صحّة الإتمام منه ، ومثل هذه المخالفة للظاهر يحتاج إلى التفسير بلا شبهة. وقد ذكر زرارة ومحمد بن مسلم للإمام عليهالسلام : «إنّ الله تعالى قال : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ،) ولم يقل : افعلوا ، فأجاب عليهالسلام بأنّه من قبيل قوله تعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)» (٣٤). وهذا أيضا يدل على تقرير الإمام عليهالسلام لهما في التعرّض لاستفادة الأحكام من الكتاب والدخل والتصرّف في ظواهره. ومن ذلك استشهاد الإمام عليهالسلام بآيات كثيرة ، مثل الاستشهاد لحلّيّة بعض النسوان بقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣٥) ، وفي عدم جواز طلاق العبد بقوله : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) (٣٦). ومن ذلك : الاستشهاد لحلّيّة بعض الحيوانات بقوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...) (٣٧) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى (٢٢٠).
______________________________________________________
فإن قلت : إنّ ما ورد في باقي الروايات من قبيل المطلق ، وما ورد في بعضها من قبيل المقيّد ، ومقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد ، فأصالة الإطلاق كيف تقضي بحمل المقيّد على ما ذكر؟ لأنّ التصرّف في المطلق بحمله على المقيّد أولى من التصرّف في المقيّد بحمله على سائر وجوه التصرف كما قرّر في محلّه.
قلت : نعم ، لكنّه إنّما يتّجه فيما كان المقيّد ظاهرا في بيان القيد المنافي للإطلاق ، والمقام ليس كذلك ، لأنّ تمسّكه بالأصل على تقدير التنزّل وحصول الشكّ في كون المراد باعتبار التفسير اعتباره في العمل بظاهر الآية أو العمل بالمراد الواقعي الذي خلاف المتبادر منها ، ولا ريب في وجاهة التمسّك بأصالة الاطلاق حينئذ.
٢٢٠. منها قول الأمير عليهالسلام في الخطبة الشقشقيّة «كأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً)» ، إذ لو لم يكن ظاهر الكتاب حجّة لم يتوجّه عليهم ذمّ بمجرّد سماعه. ومنها قوله عليهالسلام في خطبة اخرى له في نهج البلاغة قال : «والصلاة على نبيّه الذي أرسله بالفرقان ليكون للعالمين نذيرا ، وأنزل عليه القرآن ليكون إلى الحقّ هاديا و