الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ،) وقوله عليهالسلام : «من أفتى الناس بغير علم كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه» ونفس أدلّة الاصول.
ثمّ إنّ ما ذكرنا من الحرمة من جهتين مبنيّ على ما هو التحقيق : من أنّ اعتبار الاصول ـ لفظيّة كانت أو عمليّة ـ غير مقيّد بصورة عدم الظنّ على خلافها ، وأمّا إذا قلنا باشتراط (١٩٥) عدم كون الظنّ على خلافها ، فلقائل أن يمنع أصالة حرمة العمل بالظنّ مطلقا ، لا على وجه الالتزام ولا على غيره. أمّا مع عدم تيسّر العلم في المسألة ؛ فلدوران الأمر فيها بين العمل بالظنّ وبين الرجوع إلى الأصل الموجود في تلك المسألة على خلاف الظنّ ، وكما لا دليل على التعبّد بالظنّ كذلك لا دليل على التعبّد بذلك الأصل ؛ لأنّه المفروض ، فغاية الأمر التخيير بينهما أو تقديم الظنّ ؛ لكونه أقرب إلى الواقع ، فيتعيّن بحكم العقل. وأمّا مع التمكّن من العلم في المسألة ؛ فعدم (*) جواز الاكتفاء فيها بتحصيل الظنّ ووجوب تحصيل اليقين مبنيّ على القول بوجوب تحصيل الواقع علما ، أمّا إذا ادّعي أنّ العقل لا يحكم بأزيد من وجوب تحصيل الظنّ ، وأنّ الضرر الموهوم لا يجب دفعه ، فلا دليل على لزوم تحصيل العلم مع التمكّن.
______________________________________________________
لكون مؤدّيات الاصول والأمارات بمنزلة الواقع ما لم ينكشف خلافها ، فالذمّ حينئذ يشمل صورة العمل بالظنّ المخالف لها.
ومن هنا يظهر وجه الإشارة في الرواية أيضا ، لأنّ الإفتاء من غير علم وإن كان ظاهرا في إبراز نسبة حكم غير معلوم إلى الله تعالى في زيّ المعلوم ، كما عرفته في القضاء بالحقّ بغير علم في الحاشية السابقة ، إلّا أنّ ظاهر الرواية كون الذمّ على العمل بالظنّ في الإفتاء من حيث غلبة مخالفته للواقع ، فيستفاد منها كون المناط في الحرمة هي مخالفة الواقع ، فتشمل ما لو كان العمل بالظنّ على وجه الاستناد أو على وجه العمل على طبق الظنّ ، وهو لا ينافي حرمة العمل من حيث الاستناد أيضا.
١٩٥. ومثله ما لو قلنا باعتبار الاصول ـ لفظيّة كانت أو عمليّة ـ من باب الظنّ
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «فعدم» ، فلأنّ عدم.