جفّت في اليوم الثاني وذهبت أدراج الرياح فاغتمّ كثيرا ، فأوحى الله إليه بأنّك تغتمّ على يقطينة وتشفق عليها ولا أشفق على أهل مدينة عظيمة كنينوى الذين لا يعرفون الحقّ من الباطل.
وهناك جماعة من المحقّقين والمؤرّخين يرون أنّ يونس عليهالسلام بعد أن بعث إلى أهل نينوى وقام فيهم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، وبعد أن يئس من إصلاحهم ، دعا الله بأن ينزّل عليهم عقابا شديدا لعنادهم في كفرهم وشرورهم ، فاستجاب الله دعاءه وأوعده بنزول العذاب ، ففرح لذلك وانطلق إلى عابد يدعى «تنوخا» وقيل : «مليخا» وأخبره بنزول العذاب ، ففرح «تنوخا» بدوره لذلك ، ثمّ جاء إلى «روبيل» العالم الحكيم وأخبره بالأمر ، فانزعج لذلك وطلب من يونس عليهالسلام أن يطلب من ربّه صرف العذاب عن أهل نينوى ، عسى أن يرجعوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربّهم ، ولكنّ يونس عليهالسلام أبى ولن يقبل ما رآه «روبيل».
وفي اليوم الموعود والساعة المحدّدة لنزول البلاء والعذاب ظهرت بوادر الغضب في السماء ، وأخذت علامات العذاب تظهر لأهل نينوى ، فعند ذاك خرجوا عن بكرة أبيهم ما بين صارخ وباك متضرّعين إلى الرحيم الغفور ، تائبين إليه ، معلنين عن إطاعتهم لنبيّهم يونس عليهالسلام ، فاستجاب الله لهم وقبل توبتهم ، فرفع الله عنهم العذاب ، فلمّا رأى يونس عليهالسلام توقّف العذاب عن نينوى وأهلها غضب كثيرا ، وهام على وجهه ناحية البحر ؛ لكيلا يراه أحد من أهل نينوى ويتهمه بالكذب ، فركب سفينة ، وفي عرض البحر جاءت أمواج عاتية وعاصفة مهولة كادت تقضي على السفينة وركّابها ، فسقط يونس عليهالسلام في البحر فالتقمه حوت ، ثمّ لفظه على الساحل ؛ فكان هربه من نينوى ورجوعه إليها استغرق واحدا وعشرين يوما ، فكانت سبعة أيّام في مسيره نحو البحر ، وسبعة أيّام في جوف الحوت ، وسبعة أيّام تحت شجرة اليقطين.
كان على قيد الحياة حدود سنة ٨٢٥ قبل الميلاد ، وبعث وله من العمر ٣٠ سنة ، وقيل : ٢٨ سنة ، ومدّة نبوّته ٣٣ سنة ، وفي تلك المدّة لم يؤمن به وبرسالته سوى «روبيل» العالم ، وكان غنّاما يرعى الغنم ويتكسّب منها ، و «تنوخا» وكان عابدا حطّابا