الكلام عليها في قصة يحيى بن زكريا عليهماالسلام.
ثم لما ذكر تعالى
قصته على الجلية وبين أمره ووضحه وشرحه قال : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* ما كانَ لِلَّهِ أَنْ
يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ، سُبْحانَهُ ، إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ) ، كما قال تعالى بعد ذكر قصته وما كان من أمره في آل
عمران :
(ذلِكَ نَتْلُوهُ
عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ* إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ
كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ
ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ
وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ
لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما
مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ.)
[٣ / آل عمران
: ٥٨ ـ ٦٣]
ولهذا لما قدم
وفد نجران وكانوا ستين راكبا يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم ، ويؤول أمر الجميع إلى
ثلاثة هم أشرافهم وساداتهم وهم العاقب والسيد وأبو حارثة بن علقمة ، فجعلوا
يناظرون في أمر المسيح فأنزل الله صدر سورة آل عمران في ذلك ، وبيّن أمر المسيح
وابتداء خلقه وخلق أمه من قبله. وأمر رسوله بأن يباهلهم إن لم يستجيبوا له ويتبعوه
، فلما رأوا عينيها وأذنيها نكصوا وامتنعوا عن المباهلة وعدلوا إلى المسالمة والموادعة وقال قائلهم وهو العاقب عبد المسيح :
يا معشر
النصارى لقد علمتم أن محمدا لنبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد
علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنها للاستئصال منكم
إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول
في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم. فطلبوا ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسألوه أن يضرب عليهم جزية وأن يبعث معهم رجلا أمينا ،
فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وقد بيّنا ذلك في تفسير آل عمران وقد بسطنا هذه
القصة في السيرة النبوية .
والمقصود أن
الله تعالى بين أمر المسيح فقال لرسوله : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) يعني من أنه عبد مخلوق من امرأة من عباد الله. ولهذا قال
: (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ
يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ) أي لا يعجزه شيء ولا يكربه ولا يؤوده بل هو القدير
الفعال لما يشاء (إِنَّما أَمْرُهُ
إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي
وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) هو من تمام كلام عيسى لهم في المهد ، أخبرهم أن الله
ربه وربهم وإلهه وإلههم ، وأن هذا هو الصراط المستقيم.
__________________