وقال تعالى : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ.)
[٦ / الأنعام : ٨٥]
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في كتابه التاريخ المشهور الحافل : زكريا بن برخيا (١) ويقال زكريا بن دان ، ويقال زكريا بن لدن بن مسلم بن صدوق بن حشبان (٢) بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا بن بلعطة بن ناحور بن شلوم بن بهفاشاط بن إينامن بن رحيعام (٣) بن سليمان بن داود ، أبو يحيى النبي عليهالسلام من بني إسرائيل.
دخل البثنة من أعمال دمشق في طلب ابنه يحيى. وقيل إنه كان بدمشق حين قتل ابنه يحيى والله أعلم. وقد قيل غير ذلك في نسبه. ويقال فيه زكريا بالمد والقصر. ويقال زكري أيضا.
والمقصود أن الله تعالى أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقص على الناس خبر زكريا عليهالسلام وما كان من أمره حين وهبه الله ولدا على الكبر وكانت أمرأته [مع ذلك](٤) عاقرا في حال شبيبتها وقد أسنت أيضا حتى لا ييأس أحد من فضل الله ورحمته ولا يقنط من فضله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا* إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا). قال قتادة عند تفسيرها : إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفي. وقال بعض السلف : قام من الليل فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضرا عنده مخافته فقال : يا رب يا رب يا رب. فقال الله : لبيك لبيك لبيك. (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أي ضعف وخار من الكبر (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) استعارة من اشتعال النار في الحطب أي غلب على سواد الشعر شيبه كما قال ابن دريد في مقصورته :
أما ترى رأسي حاكى لونه |
|
طرّة صبح تحت أذيال الدّجا |
واشتعل المبيضّ في مسودّه |
|
مثل اشتعال النار في جمر الغضا |
وآض عودا للهم يبسا ذوايا |
|
من بعد ما قد كان مجّاج الثّرى |
يذكر أن الضعف قد استحوذ عليه باطنا وظاهرا. وهكذا قال زكريا عليهالسلام : (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)
[١٩ / مريم : ٤]
وقوله : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أي ما عودتني فيما أسألك إلا الإجابة ، وكان الباعث له على هذه المسألة أنه لما كفل مريم بنت عمران بن ماثان ، وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير أوانها (٥) ولا في أوانها وهذه من كرامات الأولياء. فعلم أن الرازق للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولدا وإن كان قد طعن في سنه (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ). وقوله : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي
__________________
(١) زكريا بن صياد. كذا في تاريخ ابن عساكر (٥ / ٣٨١ / تهذيب).
(٢) و : ابن حنشبان.
(٣) و : رخيعم.
(٤) من و.
(٥) و : إبانها.