ما أصبهم ويصفك وخبرك لهم ويخبرهم أنك تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم ، وتهدم مساجدهم وتحرق كنائسهم ، فكذبوه واتهموه وضربوه وقيدوه وحبسوه. فأمر بختنصر فأخرج أرميا من السجن فقال له : أكنت تحذر هؤلاء القوم ما أصابهم؟ قال : نعم ، قال : فإني علمت ذلك. قال :
أرسلني الله إليهم فكذبوني ، قال : كذبوك وضربوك وسجنوك؟ قال : نعم. قال : بئس القوم قوم كذبوا نبيهم وكذبوا رسالة ربهم ، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك وأواسيك وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك. قال له أرميا : إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط ، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك ولم يكن لك عليهم سلطان. فلما سمع بختنصر هذا القول منه تركه فأقام أرميا مكانه بأرض إيليا.
وهذا سياق غريب ، وفيه حكم ومواعظ وأشياء مليحة ، وفيه من جهة التعريب غرابة.
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي : كان بختنصر أصفهبذا لما بين الأهواز إلى الروم للملك على الفرس وهو لهراسب ، وكان قد بنى مدينة بلخ التي تلقب بالخنساء ، وقاتل الترك وألجأهم إلى أضيق الأماكن وبعث بختنصر لقتال بني إسرائيل بالشام فلما قدم الشام صالحه أهل دمشق ، وقد قيل إن الذي بعث بختنصر إنما هو بهمن ملك الفرس بعد بشتاسب بن لهراسب ، وذلك لتعدي بني إسرائيل على رسله إليهم.
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب ، أن بختنصر لما قدم دمشق وجد بها دما يغلي على كبا ، يعني القمامة ، فسألهم ما هذا الدم؟ فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر. قال : فقتل على ذلك سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن.
وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وقد تقدم من كلام الحافظ ابن عساكر ما يدل على أن هذا دم يحيى بن زكريا ، وهذا لا يصح لأن يحيى بن زكريا بعد بختنصر بمدة ، والظاهر أن هذا دم نبي متقدم أو دم لبعض الصالحين أو لمن (١) شاء الله ممن الله اعلم به.
قال هشام بن الكلبي : قدم بختنصر بيت المقدس فصالحه ملكها وكان من آل داود وصانعه عن بني إسرائيل وأخذ منه بختنصر رهائن ورجع ، فلما بلغ طبرية بلغه أن بني إسرائيل ثاروا على ملكهم فقتلوه لأجل أنه صالحه ، فضرب رقاب من معه من الرهائن ورجع إليهم فأخذ المدينة عنوة ، وقتل المقاتلة وسبى الذرية.
قال : وبلغنا أنه وجد في السجن أرميا النبي فأخرجه وقص عليه ما كان من أمره إياهم وتحذيره لهم عن ذلك فكذبوه وسجنوه [فقال بختنصر : بئس القوم قوم عصوا رسول الله وخلى سبيله وأحسن إليه](٢) واجتمع إليه من بقي من ضعفاء بني إسرائيل فقالوا : إنا قد أسأنا وظلمنا
__________________
(١) و : أو من شاء الله.
(٢) ليست في م واثبتها من و.