ملك عدوه فيغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة ويأسر الأبطال والشجعان والأقران وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان ويدال لأولياء الله على أعدائه ، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه.
وقد ذكر السدي فيما يرويه أن داود عليهالسلام كان أصغر أولاد أبيه وكانوا ثلاثة عشر ذكرا ، كان سمع طالوت ملك بني إسرائيل وهو يحرض بني إسرائيل على قتل جالوت وجنوده وهو يقول من قتل جالوت زوجته بابنتي وأشركته في ملكي ، وكان داود عليهالسلام يرمي بالقذافة وهي المقلاع رميا عظيما ، فبينا هو سائر مع بني إسرائيل إذ ناداه حجر أن خذني فإن بي تقتل جالوت. فأخذه ثم حجر آخر كذلك ثم آخر كذلك ؛ فأخذ الثلاثة في مخلاته فلما تواجه الصفان برز جالوت ودعا إلى نفسه فتقدم إليه داود فقال له : ارجع فإني أكره قتلك. فقال : لكني أحب قتلك. وأخذ تلك الأحجار الثلاثة فوضعها في القذافة ثم أدارها فصارت الثلاثة حجرا واحدا. ثم رمى بها جالوت ففلق رأسه وفر جيشه منهزما ، فوفى له طالوت بما وعده فزوجه ابنته وأجرى حكمه في ملكه وعظم داود عليهالسلام عند بني إسرائيل وأحبوه ومالوا إليه أكثر من طالوت ، فذكروا أن طالوت حسده وأراد قتله واحتال على ذلك فلم يصل إليه ، وجعل العلماء ينهون طالوت عن قتل داود فتسلط عليهم فقتلهم حتى لم يبق منهم إلا القليل ، ثم حصل له توبة وندم وإقلاع عما سلف منه وجعل يكثر من البكاء ويخرج إلى الجبانة فيبكي حتى يبل الثرى بدموعه فنودي ذات يوم من الجبانة : أن يا طالوت قتلتنا ونحن أحياء وآذيتنا ونحن أموات. فازداد لذلك بكاؤه وخوفه واشتد وجله ثم جعل يسأل عن عالم يسأله عن أمره وهل له من توبة ، فقيل له : وهل أبقيت عالما! حتى دل على أمرأة من العابدات فأخذته فذهبت به الى قبر يوشع عليهالسلام. قالوا : فدعت الله فقام يوشع من قبره فقال : أقامت القيامة؟ فقالت : لا ولكن هذا طالوت يسألك : هل له من توبة؟ فقال : نعم ينخلع من الملك ويذهب فيقاتل في سبيل الله حتى يقتل. ثم عاد ميتا.
فترك الملك لداود عليهالسلام وذهب ومعه ثلاثة عشر من أولاده فقاتلوا في سبيل الله حتى قتلوا. قالوا : فذلك قوله : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ).
هكذا ذكره ابن جرير في تاريخه من طريق السدي بإسناده. وفي بعض هذا نظر ونكارة. والله أعلم.
وقال محمد بن إسحق : النبي الذي بعث فأخبر طالوت توبته هو اليسع بن أخطوب ـ حكاه ابن جرير أيضا.
وذكر الثعلبي أنها أتت به إلى قبر شمويل فعاتبه على ما صنع بعده من الأمور ، وهذا أنسب.
ولعله إنما رآه في النوم لا أنه قام من القبر حيا ، فإن هذا إنما يكون معجزة لنبي ، وتلك المرأة لم تكن نبية والله أعلم.
قال ابن جرير : وزعم أهل التوراة أن مدة ملك طالوت إلى أن قتل مع أولاده أربعون سنة فالله أعلم.