الحديث : فيأتي بشاب ممتلىء شبابا فيقتله ، وقوله الذي حدثنا عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ لا يقتضي المشافهة ، بل يكفي التواتر.
وقد تصدى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمهالله في كتابه : «عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر» للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعة ، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين من بعدهم فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها وجهالة رجالها ، وقد أجاد في ذلك إذ أحسن الانتقاد.
وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات ، ومنهم البخاري وإبراهيم الحربي وأبو الحسين بن المنادي والشيخ أبو الفرج بن الجوزي ، وقد انتصر لذلك وألف (١) فيه كتابا أسماه «عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر» فيحتج لهم بأشياء كثيرة : منها قوله : «وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد» فالخضر إن كان بشرا (٢) فقد دخل في هذا العموم لا محالة ، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح ، والأصل عدمه حتى يثبت : ولم يذكر فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله.
ومنها أن الله تعالى قال : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.)
[٣ / آل عمران : ٨١]
قال ابن عباس : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه. وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق ، لئن بعث محمدا وهم احياء ليؤمنن به ولينصرنه. ذكره البخاري عنه.
فالخضر إن كان نبيا أو وليا ، فقد دخل في هذا الميثاق ، فلو كان حيا في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه ، يؤمن بما أنزل الله عليه ، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه ، لأنه إن كان وليا فالصديق أفضل منه ، وإن كان نبيا فموسى أفضل منه.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده : حدثنا شريح بن النعمان ، حدثنا هشيم ، أنبأنا مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني». وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة ، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة : أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لكانوا كلهم أتباعا له ، وتحت أوامره وفي عموم شرعه. كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع بهم ليلة الإسراء رفع فوقهم كلهم. ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم ، فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم. فدل على أنه الإمام الأعظم ، والرسول الخاتم المبجل المقدم ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
__________________
(١) و : وصنف.
(٢) و : بشريا.