إليه ، فدعاه موسى عليهالسلام فقال : ما حملك على هذا؟ فقال : يا موسى أما لئن كنت فضلت عليّ بالنبوة ، فقد فضلت عليك بالمال ، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون عليّ ولأدعون عليك.
فخرج موسى وخرج قارون في قومه ، فقال له موسى : تدعو أو أدعو أنا؟ قال : أدعو أنا ، فدعا قارون فلم يجب له في موسى ، فقال موسى : أدعو؟ قال : نعم. فقال موسى : اللهم مر الأرض فلتطعني اليوم ، فأوحى الله إليه إني قد فعلت. فقال موسى : يا أرض خذيهم. فأخذتهم إلى أقدامهم. ، ثم قال : خذيهم ، فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم إلى مناكبهم. ثم قال : أقبلي بكنوزهم وأموالهم ، فأقبلت بها حتى نظروا إليها ، ثم أشار موسى بيده فقال : اذهبوا بني لاوي فاستوت بهم الأرض.
وقد روي عن قتادة أنه قال : يخسف بهم كل يوم قامة إلى يوم القيامة. وعن ابن عباس أنه قال : خسف بهم إلى الأرض السابعة ، وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا إسرائيليات كثيرة ، أضربنا عنها صفحا وتركناها قصدا.
وقوله تعالى : (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) لم يكن ناصر له من نفسه ولا من غيره كما قال : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ).
ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدار ، وإهلاك النفس والأهل والعقار ، ندم من كان تمنى مثل ما أوتي ، وشكروا الله تعالى ، الذي يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون ، ولهذا قالوا : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) وقد تكلمنا على لفظ ويكأنه في التفسير ، وقد قال قتادة : ويكأن بمعنى ألم تر أن. وهذا قول حسن من حيث المعنى ، والله أعلم.
ثم أخبر تعالى : (إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ) وهي دار القرار ، وهي الدار التي يغبط من أعطيها ويعزى من حرمها إنما هي معدة (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً). فالعلو هو التكبر والفخر والأشر والبطر.
والفساد هو عمل المعاصي اللازمة والمتعدية ، من أخذ أموال الناس وإفساد معايشهم ، والإساءة إليهم وعدم النصح لهم.
ثم قال تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر ، لقوله : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) فإن الدار ظاهرة في البنيان ، وقد تكون بعد ذلك في التيه ، وتكون الدار عبارة عن المحلة التي تضرب فيها الخيام ؛ كما قال عنترة :
يا دار عبلة بالجواء تكلمي |
|
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي |
والله أعلم.