فلما بلغ أشده وكان من الرجال ، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة ، حتى امتنعوا كل الامتناع. فبينما (١) موسى عليهالسلام يمشي في ناحية المدينة ، إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعوني والآخر إسرائيلي. فاستغاثه الاسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى غضبا شديدا ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلته من بني إسرائيل ، وحفظه لهم [لا يعلم الناس إلا أنه من الرضاع إلا أم موسى ، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على](٢) ما لم يطلع عليه غيره. فوكز موسى الفرعوني فقتله ، وليس يراهما أحد إلا الله عزوجل والإسرائيلي ، فقال موسى حين قتل الرجل : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ثم قال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ* فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ). الآيات.
فأتى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم ، فقال ابغوني قاتله ومن يشهد عليه ، فإن الملك وإن كان صفوة من قومه (٣) ، لا ينبغي له أن يقتل (٤) بغير بينة ولا ثبت ، فاطلبوا لي علم ذلك آخذ لكم بحقكم.
فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة ، إذا بموسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلا من آل فرعون آخر ، فاستغاثه الاسرائيلي على الفرعوني ، فصادف موسى وقد ندم على ما كان من وكزه الذي رأى ، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني ، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال له ما قال ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني ، فخاف أن يكون بعد ما قال له : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أن يكون إياه أراد ولم يكن أراده ، وإنما أراد الفرعوني فخاف الإسرائيلي وقال : (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ)؟ وإنما قال له مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا.
وانطلق الفرعوني فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين (٥) يقول : «أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس» فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى ، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم ، يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم ، فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة ، فاختصر طريقا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره.
وذلك من الفتون يا بن جبير!
فخرج موسى متوجها نحو مدين لم يلق بلاء قبل ذلك وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه عزوجل ، فإنه قال : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ* وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً
__________________
(١) و : فبينما.
(٢) سقطت من م وأثبتها من و.
(٣) و : وإن كان صفوة له له مع قومه.
(٤) و : لا يستقيم له.
(٥) أن يقيد.