(قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) أي عتاة كفرة متمردين (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) خافوا من هؤلاء الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون ، وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأسا ، وأكثر جمعا وأعظم جندا. وهذا يدل على أنهم ملومون في هذه المقالة.
ومذمومون على هذه الحالة ، من الذلة عن مصاولة الأعداء ، ومقاومة المردة الأشقياء.
وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا آثارا فيها مجازفات كثيرة باطلة ، يدل العقل والنقل على خلافها من أنهم كانوا أشكالا هائلة ضخاما جدا حتى إنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل الجبارين ، فجعل يأخذهم واحدا واحدا ، ويلفهم في أكمامه وحجزة سراويله ، وهم اثنا عشر رجلا ، فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبارين ، فقال : ما هؤلاء؟
ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه.
وكل هذه هذيانات وخرافات لا حقيقة لها.
وأن الملك بعث معهم عنبا كل عنبة تكفي الرجل ، وشيئا من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم. وهذا ليس بصحيح.
وذكروا هاهنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم ، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة [ذراع](١) وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع.
هكذا ذكره البغوي وغيره ، وليس بصحيح ، كما قدمنا بيانه عند قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن».
قالوا : فعمد عوج إلى قمة (٢) جبل فاقتلعها ، ثم أخذها بيديه يلقيها على جيش موسى ، فجاء طائر فنقر تلك الصخرة فخرقها فصارت طوقا في عنق عوج بن عنق. ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع ، وبيده عصاه وطولها عشرة أذرع ، فوصل إلى كعب قدمه فقتله.
يروى هذا عن نوف (٣) البكالي ، ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي إسناده إليه نظر. ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات ، وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل ، فإن الأخبار الكاذبة قد كثرت عندهم ولا تمييز لهم بين صحتها وباطلها. ثم لو كان هذا صحيحا لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم ، وقد ذمهم الله على نكولهم ، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم ومخالفتهم رسولهم. وقد أشار عليهم رجلان صالحان منهم بالإقدام ، ونهياهم عن الإحجام.
ويقال : إنهما يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا. قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس ، وغير واحد.
__________________
(١) من و.
(٢) و : قلة.
(٣) م : عوف.