قيل : معناه أنهم اختلفوا فيما بينهم ، فقائل يقول : هذا كلام نبي وليس بساحر ، وقائل منهم يقول :
بل هو ساحر. فالله أعلم.
وأسروا التناجي بهذا وغيره.
«قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما» يقولون : إن هذا وأخاه هارون ، ساحران عليمان مطبقان متقنان لهذه الصناعة ، ومرادهما أن يجتمع الناس عليهما ويصولا على الملك وحاشيته ، ويستأصلانكم عن آخركم ويستأمرا هما عليكم بهذه الصناعة.
«فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى» وإنما قالوا الكلام الأول ليتدبروا ويتواصوا ، ويأتوا بجميع ما عندهم من المكيدة والمكر والخديعة والسحر والبهتان.
وهيهات! كذبت والله الظنون ، وأخطأت الآراء ؛ أنى يعارض البهتان ، والسحر والهذيان خوارق العادات التي أجراها الديان ، على يدي عبده الكليم ، ورسوله الكريم المؤيد بالبرهان الذي يبهر الأبصار وتحار فيه العقول والأذهان!
وقولهم : «فأجمعوا كيدكم» أي جميع ما عندكم «ثم ائتوا صفا» أي جملة واحدة ، ثم حضوا بعضكم بعضا على التقدم في هذا المقام ؛ لأن فرعون كان قد وعدهم ومناهم ، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
* * *
وقال تعالى :
(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى * قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى * قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى * وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى.)
[٢٠ / طه : ٦٥ ـ ٦٩]
لما اصطف السحرة ووقف موسى وهارون عليهماالسلام تجاههم. قالوا له إما أن تلقي قبلنا ، وإما أن نلقي قبلك «قال بل ألقوا» أنتم ، وكانوا قد عمدوا إلى حبال وعصي ، فأودعوها الزئبق وغيره ؛ من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطرابا يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها ، وإنما تتحرك بسبب ذلك ، فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم ، وألقوا حبالهم وعصيهم ، وهم يقولون : «بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون».
قال الله تعالى : «فلما القوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم». وقال تعالى :
«فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى* فأوجس في نفسه خيفة موسى» أي خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ومحالهم ، قبل أن يلقي ما في يده ، فإنه لا يصنع شيئا قبل أن يؤمر فأوحى الله إليه في الساعة