المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، لا يشبع بطنه عام الرمادة حتى ذهب الجدب وأتى الخصب.
قال الشافعي : قال رجل من الأعراب لعمر بعدما ذهب عام الرمادة : لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة!
* * *
ثم لما رأى يوسف عليهالسلام نعمته قد تمت ، وشمله قد اجتمع ، عرف أن هذه الدار لا يقربها قرار ، وأن كل شيء فيها ومن عليها فان ، وما بعد التمام إلا النقصان ، فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله ، واعترف له بعظيم إحسانه وفضله ، وسأل منه ـ وهو خير المسئولين ـ أن يتوفاه ، أي حين يتوفاه على الإسلام ، وأن يلحقه بعباده الصالحين ، وهكذا كما يقال في الدعاء : «اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين» أي حين تتوفانا.
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليهالسلام ، كما سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى والرفقاء الصالحين من النبيين والمرسلين ، كما قال : اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثا. ثم قضى.
ويحتمل أن يوسف عليهالسلام سأل الوفاة على الإسلام منجزا في صحة بدنه وسلامته ، وأن ذلك كان سائغا في ملتهم وشرعهم ، كما روى عن ابن عباس أنه قال : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف.
فأما في شريعتنا فقد نهي عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن ؛ كما في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد : «وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين» (١). وفي الحديث الآخر :
«ابن آدم ، الموت خير لك من الفتنة». وقالت مريم عليهاالسلام : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا). وتمنى الموت علي بن أبي طالب ، لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد القتال ، وكثر القيل والقال. وتمنى ذلك البخاري أبو عبد الله صاحب الصحيح ، لما اشتد عليه الحال ولقي من مخالفيه الأهوال.
فأما في حال الرفاهية فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، إما محسنا فلعله يزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني
__________________
(١) الحديث رواه الترمذي في سننه وهو جزء من حديث طويل عن معاذ بن جبل (٤٨ / ٣٩ / ٣٢٣٥) وقال أبو عيسى : هذا الحديث حسن صحيح. سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : هذا حديث حسن صحيح أه.
ورواه أحمد في مسنده (١ / ٣٦٨) ، (٤ / ٦٦) ، (٥ / ٢٤٣) ، (٥ / ٤٢٧).