جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.)
[١٢ / يوسف : ٩٩ ـ ١٠١]
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة ، التي قيل إنها ثمانون سنة! وقيل ثلاث وثمانون سنة ، وهما روايتان عن الحسن وقيل خمس وثلاثون سنة. قاله قتادة وقال محمد بن إسحاق : ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة. قال : وأهل الكتاب يزعمون (١) أنه غاب عنه أربعين سنة.
وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريبا ؛ فإن المرأة راودته وهو شاب ابن سبع عشرة سنة ، فيما قاله غير واحد ، فامتنع. فكان في السجن بضع سنين ؛ وهي سبع عند عكرمة وغيره.
ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع ، ثم لما أمحل الناس في السبع البواقي ، جاء إخوته يمتارون في السنة الأولى وحدهم ، وفي الثانية ومعهم أخوه (٢) [بنيامين](٣) ، وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهلهم أجمعين ، فجاءوا كلهم.
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) واجتمع بهما خصوصا وحدهما دون إخوته ، (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ). قيل هذا من المقدم والمؤخر ؛ تقديره قال : ادخلوا ، مصر وآوى إليه أبويه. وضعفه ابن جرير وهو معذور. قيل بل تلقاهما وآواهما في منزل الخيام ، ثم لما اقتربوا من باب مصر (قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ، قاله السدي ولو قيل إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضا ، وإنه ضمن قوله ادخلوا ، بمعنى اسكنوا مصر ، أو أقيموا بها ، (إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) لكان صحيحا مليحا أيضا.
وعند أهل الكتاب : أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر ـ وهي أرض بلبيس ـ خرج يوسف لتلقيه ، وكان يعقوب قد بعث ابنه قهوذا بين يديه مبشرا بقدومه ، وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر ؛ يكونون فيها ، ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم. وقد ذكر جماعة من المفسرين ، أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب ـ وهو إسرائيل ـ أراد يوسف أن يخرج لتلقيه ، فركب معه الملك وجنوده ؛ خدمة ليوسف وتعظيما لنبي الله «إسرائيل» وأنه دعا للملك ، وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم. فالله أعلم.
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم ـ فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة ابن مسعود ـ ثلاثة وستين إنسانا.
__________________
(١) و : يدعون.
(٢) و : أخوهم.
(٣) من : و.