إنجائه إياهم من المهلكات ، وإخراجه إياهم من النور الى الظلمات ، كما قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
وقال الله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم (١) ، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها؟ وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة هالة غامرة؟
كما روى الترمذي وغيره مرفوعا : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (٢) ثم قرأ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ).
وقوله : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن. كما قال : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ). وقال تعالى : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقال تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ).
أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة ، وخشي الرحمن بالغيب ، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فانزجر من محارم الله وترك معاصيه ، وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وإن لم يكن من كل وجه ؛ فمن بعض الوجوه ، كما قال بعضهم :
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم |
|
فما قوم لوط منكم ببعيد |
فالعاقل اللبي الفاهم الخائف من ربه ، يمتثل ما أمره الله به عزوجل ، ويقبل ما أرشده اليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من إتيان ما خلق الله له من الزوجات الحلال ، والجواري من السراري ذوات الجمال ، وإياه أن يتبع كل شيطان مريد ، فيحق عليه الوعيد ، ويدخل في قوله تعالى : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
__________________
(١) م : فهم.
(٢) الحديث رواه الترمذي (ذ / ١٦ / ٣١٢٧). ورواه ابن حجر في لسان الميزان (٥ / ١١٥٤). ورواه القرطبي في تفسيره (١ / ٤٣ / دار الكتب). ورواه الأصفهاني في حلية الأولياء (٤ / ٩٤ ، ٦ / ١١٨ ـ الخانجي). ورواه السيوطي في جمع الجوامع (٤٥٦ / الهيئة العامة للكتاب). ورواه العجلوني في كشف الخفاء (١ / ٤٢). ورواه السيوطي في الدر المنثور (٤ / ١٠٣). ورواه الذهبي في الطب النبوي (١١٢ / حلبي) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٨ / ١٢١). ورواه رحمهالله في كنز العمال رقم (٣٠٧٣٠ / سوريا). ورواه العراقي في تنزيه الشريعة (٢ / ٣٠٥).