بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ* فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.)
[٢٩ / العنكبوت : ١٦ ـ ٢٧]
ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وكان أول دعوته لأبيه ، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام ، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له كما قال تعالى
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا* إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً* يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا* يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا* يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا* قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا* وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا.)
[١٩ / مريم : ٤١ ـ ٤٨]
فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة ، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة ، بين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه ، فكيف تغني عنه شيئا أو تفعل به خيرا من رزق أو نصر؟ ثم قال له منبها على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع وإن كان أصغر سنا من أبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) أي مستقيما واضحا سهلا حنيفا يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك.
فلما عرض هذا الرشد عليه وأهدى هذه النصيحة إليه ، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه ، بل تهدده وتوعده قال : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) قيل بالمقال وقيل بالفعال. (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أي واقطعني وأطل هجراني.
فعندها قال له إبراهيم : «سلام عليك» أي لا يصلك مني مكروه ولا ينالك مني أذى ، بل أنت سالم من ناحيتي. وزاده خيرا فقال : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا). قال ابن عباس وغيره : أي لطيفا ، يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له. ولهذا قال : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي ، عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا).
وقد استغفر له إبراهيم عليهالسلام كما وعده في أدعيته ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ