(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٩٦)
٩٣ ـ (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) بعد أن نزل بهم العذاب (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى) أحزن (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) اشتدّ حزنه على قومه ، ثم أنكر على نفسه فقال : كيف يشتدّ حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم ، أو أراد لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والتحذير مما حلّ بكم فلم تصدقوني فكيف آسي عليكم.
٩٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) يقال لكلّ مدينة قرية ، وفيه حذف أي فكذبوه (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ) بالبؤس والفقر (وَالضَّرَّاءِ) الضرّ والمرض لاستكبارهم عن اتّباع نبيهم ، أو هما نقصان النفس والمال (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) ليتضرّعوا ويتذلّلوا ويحطّوا أردية الكبر.
٩٥ ـ (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة ؛ الرخاء والسعة والصحة (حَتَّى عَفَوْا) كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم عفا النبات (١) إذا كثر ومنه قوله عليهالسلام : (واعفوا اللحى) (٢) (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أي قالوا هذه عادة الدهر ، يعاقب في الناس بين الضراء والسراء ، وقد مسّ آباءنا نحو ذلك ، وما هو بعقوبة الذنب ، فكونوا على ما أنتم عليه (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنزول العذاب.
٩٦ ـ اللام في (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) إشارة إلى أهل القرى التي دلّ عليها (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) كأنه قال ولو أنّ أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا (آمَنُوا) بدل كفرهم (وَاتَّقَوْا) الشرك مكان ارتكابه (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ) لفتّحنا شامي (بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أراد المطر والنبات ، أو لآتيناهم بالخير من كلّ وجه
__________________
(١) في (ز) النباب : وهو التكبر والتعاظم.
(٢) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.