(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٥٥)
على مشيئته (ثُمَّ اسْتَوى) استولى (عَلَى الْعَرْشِ) أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه وتعالى مستوليا على جميع المخلوقات ، لأنّ العرش أعظمها وأعلاها ، وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقرار كما تقوله المشبهة (١) باطل ، لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان ، وهو الآن كما كان ، لأنّ التغيّر من صفات الأكوان ، والمنقول عن الصادق والحسن وأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهم أنّ الاستواء معلوم ، والتكييف فيه مجهول ، والإيمان به واجب ، والجحود له كفر ، والسؤال عنه بدعة (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يغشّي حمزة وعليّ وأبو بكر ، أي يلحق الليل بالنهار أو النهار بالليل (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) حال من الليل ، أي سريعا ، والطالب هو الليل كأنه لسرعة مضيّه يطلب النهار (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ) أي وخلق الشمس والقمر والنجوم (مُسَخَّراتٍ) حال ، أي مذللات ، والشمس والقمر والنجوم مسخرات شامي ، والشمس مبتدأ والبقية معطوفة عليها والخبر مسخرات (بِأَمْرِهِ) هو أمر تكوين ، ولما ذكر أنه خلقهنّ مسخرات بأمره قال (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) أي هو الذي خلق الأشياء وله الأمر (تَبارَكَ اللهُ) كثر خيره ، أو دام برّه ، من البركة النماء ، أو من البروك الثبات ، ومنه البركة (رَبُّ الْعالَمِينَ).
٥٥ ـ (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) نصب على الحال ، أي ذوي تضرّع وخفية ، والتضرّع تفعّل من الضراعة وهي الذّلّ ، أي تذللا وتملّقا. قال عليهالسلام : (إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إنه معكم أينما كنتم) (٢) عن الحسن : بين دعوة السرّ والعلانية سبعون ضعفا (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المجاوزين ما أمروا به في كلّ شيء من الدعاء وغيره ، وعن ابن جريج : الرافعين أصواتهم بالدعاء ، وعنه : الصياح في الدعاء مكروه وبدعة ، وقيل هو الإسهاب في الدعاء ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : (سيكون قوم يعتدون في الدعاء وحسب المرء أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل) (٣) ثم قرأ (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
__________________
(١) المشبهة : فرقة متغلغلة في عدد من الفرق تثبت الصفات لله تعالى وبالغت فيها إلى حد التشبيه بصفات المحدثات وقالوا إن معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية وإما جسمانية ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن (الملل والنحل ـ الباب الأول ـ الفصل الثالث).
(٢) رواه أحمد.
(٣) رواه أبو يعلى من حديث سعد بن سعد ، ورواه أبو داود الطيالسي والبيهقي.