(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١٣)
١١ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أي خلقنا أباكم آدم عليهالسلام طينا غير مصوّر ثم صورناه بعد ذلك ، دليله (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) ممن سجد لآدم عليهالسلام.
١٢ ـ (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) ما رفع أي أيّ شيء منعك من السجود ، ولا زائدة بدليل (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (١) ومثلها (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (٢) أي ليعلم (إِذْ أَمَرْتُكَ) فيه دليل على أنّ الأمر للوجوب ، والسؤال عن المانع من السجود مع علمه به للتوبيخ ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وتحقيره أصل آدم عليهالسلام (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) وهي جوهر نوراني (وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) وهو ظلماني ، وقد أخطأ الخبيث بل الطين أفضل لرزانته ووقاره ، ومنه الحلم والحياء والصبر ، وذلك دعاه إلى التوبة والاستغفار ، وفي النار الطيش والحدّة والترفّع وذلك دعاه إلى الاستكبار ، والتراب عمدة (٣) الممالك ، والنار عدّة المهالك ، والنار مظنة الخيانة والإفناء ، والتراب مئنة الأمانة والإنماء ، والطين يطفئ النار ويتلفها ، والنار لا تتلفه ، وهذه فضائل غفل عنها إبليس حتى زلّ بفاسد من المقاييس. وقولنا (٤) في القياس أول من قاس إبليس ، قياس على أنّ القياس عند مثبته مردود عند وجود النصوص (٥) وقياس إبليس عناد للأمر المنصوص. وكان الجواب لما منعك أن يقول منعني كذا ، وإنما قال أنا خير منه لأنه لما (٦) استأنف قصة وأخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم عليهالسلام وبعلة فضله عليه ، فعلم منها الجواب ، كأنه قال منعني من السجود فضلي عليه وزيادتي عليه (٧) وهي إنكار الأمر واستبعاد (٨) أن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله ، إذ سجود الفاضل للمفضول خارج عن الصواب.
١٣ ـ (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) من الجنة ، أو من السماء ، لأنه كان فيها وهي مكان
__________________
(١) ص ، ٣٨ / ٧٥.
(٢) الحديد ، ٥٧ / ٢٩.
(٣) في (ز) عدة.
(٤) في (أ) و (ز) وقول نافي القياس.
(٥) في (ظ) و (ز) النص.
(٦) في (ز) قد.
(٧) في (ظ) و (ز) وزيادة.
(٨) في (أ) والاستبعاد.