(قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (١٠٥)
أي فقلنا له سلهم حين جاءهم (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) سحرت فخولط عقلك.
١٠٢ ـ (قالَ) أي موسى (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا فرعون (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) الآيات (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خالقهما (بَصائِرَ) حال ، أي بينات مكشوفات إلّا أنك معاند ، ونحوه (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (١) علمت بالضم عليّ ، أي إني لست بمسحور كما وصفتني بل أنا عالم بصحة الأمر وأنّ هذه الآيات منزلها ربّ السماوات والأرض ، ثم قارع ظنّه بظنّه بقوله (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) كأنه قال إن ظننتني مسحورا فأنا أظنك مثبورا (٢) وظني أصحّ من ظنّك لأنّ له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها ، وأما ظنّك فكذب بحت لأنّ قولك مع علمك بصحة أمري إني لأظنك مسحورا قول كذّاب (٣) ، وقال الفراء : مثبورا مصروفا عن الخير من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما منعك وصرفك.
١٠٣ ـ (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) يخرجهم أي موسى وقومه (مِنَ الْأَرْضِ) أي أرض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) فحاق به مكره بأن استفزّه الله بإغراقه مع قبطه.
١٠٤ ـ (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) من بعد فرعون (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) التي أراد فرعون أن يستفزّكم منها (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي القيامة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) جمعا مختلطين إياكم وإياهم ، ثم نحكم بينكم ونميز بين سعدائكم وأشقيائكم ، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
١٠٥ ـ (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) وما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة ، وما نزل إلا
__________________
(١) النمل ، ٢٧ / ١٤.
(٢) زاد في (ز) هالكا.
(٣) في (ز) قول كذب.