(إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) (٩١)
٨٧ ـ (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) أي إلّا أن يرحمك ربّك فيرده عليك ، كأن رحمته تتوكّل عليه بالردّ ، أو يكون على الاستثناء المنقطع ، أي ولكن رحمة من ربّك تركته غير مذهوب به ، وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه ، ونزل جوابا لقول النضر (١) : لو نشاء لقلنا مثل هذا.
٨٨ ـ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) معينا ، ولا يأتون جواب قسم محذوف ، ولو لا اللام الموطئة لجاز أن يكون جوابا للشرط كقوله (٢) : يقول لا غائب مالي ولا حرم ، لأنّ الشرط وقع ماضيا ، أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الإتيان بمثله.
٨٩ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) ردّدنا وكرّرنا (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كلّ معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) جحودا ، وإنما جاز فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولم يجز ضربت إلّا زيدا لأنّ أبى متأول بالنفي ، كأنه قيل فلم يرضوا إلّا كفورا. ولما تبين إعجاز القرآن وانضمّت إليه المعجزات الأخر ولزمتهم الحجّة وغلبوا اقترحوا الآيات فعل المبهوت المحجوج المتحيّر :
٩٠ ـ (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا) وبالتخفيف كوفي (مِنَ الْأَرْضِ) أي مكة (يَنْبُوعاً) عينا غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع ، يفعول من نبع الماء.
٩١ ـ (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ) والتشديد هنا مجمع عليه
__________________
(١) النضر : هو النضر بن الحارث وقد سبق ترجمته في ٦ / ٩٣.
(٢) القائل زهير بن أبي سلمى والقول عجز بيت صدره : وإن أتاه خليل يوم مسألة ، وهو يمدح به هرم بن سنان.