(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) (٨٦)
العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له ليدلّ على أنه عن إدراك خالقه أعجز ، ولذا ردّ ما قيل في حدّه أنه جسم دقيق هوائي في كلّ جزء من الحيوان ، وقيل هو خلق عظيم روحاني أعظم من الملك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو جبريل عليهالسلام : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ) (١) وعن الحسن : القرآن دليله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (٢) ولأنّ به حياة القلوب ، ومن أمر ربّي ، أي من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر ، وروي أنّ اليهود بعثت إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح ، فإن أجاب عن الكلّ أو سكت عن الكلّ فليس بنبي ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي ، فبين لهم القصّتين وأبهم أمر الروح ، وهو مبهم في التوراة ، فندموا على سؤالهم (٣) ، وقيل كان السؤال عن خلق الروح يعني أهو مخلوق أم لا ، وقوله من أمر ربي دليل خلق الروح ، فكان هذا جوابا (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) الخطاب عام ، فقد روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قال لهم ذلك قالوا : نحن مختصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه؟ فقال : (بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا) (٤) وقيل هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة وقد تلوت : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٥) فقيل لهم إنّ علم التوراة قليل في جنب علم الله ، فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية ، فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلّا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة.
ثم نبّه على نعمة الوحي وعزّاه بالصبر على أذى الجدال في السؤال بقوله :
٨٦ ـ (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لنذهبنّ جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط ، واللام الداخلة على إن موطئة (٦) للقسم ، والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف فلم نترك له أثرا (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) أي ثم لا تجد لك بعد الذهاب به من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مسطورا.
__________________
(١) الشعراء ، ٢٦ / ١٩٣ ، ١٩٤.
(٢) الشورى ، ٤٢ / ٥٢.
(٣) ذكره ابن هشام في السيرة عن زياد عن أبي إسحاق في قصة طويلة وأتم منه.
(٤) ذكره الثعلبي في تفسير «لقمان» بغير سند ، قاله ابن حجر.
(٥) البقرة ، ٢ / ٢٦٩.
(٦) في (ز) توطئة.