(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١)
٩٠ ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) بالتسوية في الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كلّ حقّ إلى ذي حقه (١) (وَالْإِحْسانِ) إلى من أساء إليكم ، أو هما الفرض والندب ، لأن الفرض لا بدّ من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) وإعطاء ذي القرابة ، وهو صلة الرحم (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) عن الذنوب المفرطة في القبح (وَالْمُنْكَرِ) ما تنكره العقول (وَالْبَغْيِ) طلب التطاول بالظلم والكبر (يَعِظُكُمْ) حال أو مستأنف (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون بمواعظ الله ، وهذه الآية سبب إسلام عثمان بن مظعون (٢) ، قال ما كنت أسلمت إلا حياء منه عليهالسلام لكثرة ما كان يعرض عليّ الإسلام ولم يستقر الإيمان في قلبي حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده فاستقرّ الإيمان في قلبي ، فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال : والله إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول البشر ، وقال أبو جهل إنّ إلهه ليأمر بمكارم الأخلاق. وهي أجمع آية في القرآن للخير والشر ، ولهذا يقرؤها كلّ خطيب على المنبر في آخر كلّ خطبة لتكون عظة جامعة لكلّ مأمور ومنهيّ.
٩١ ـ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) هي البيعة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم على الإسلام (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) (٣) (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) أيمان البيعة (بَعْدَ تَوْكِيدِها) بعد توثيقها باسم الله ، وأكّد ووكّد لغتان فصيحتان ، والأصل الواو ، والهمزة بدل منها (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) شاهدا ورقيبا ، لأنّ الكفيل مراع لحال المكفول به مهيمن عليه (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من البرّ والحنث فيجازيكم به.
__________________
(١) في (ز) كل ذى حق إلى حقه.
(٢) عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب الجمحي ، أبو السائب ، صحابي ، هاجر إلى الحبشة مرتين وشهد بدرا ، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأول من دفن بالبقيع منهم عام ٢ ه (الأعلام ٤ / ٢١٤).
(٣) الفتح ، ٤٨ / ١٠.