(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٦٨)
في بطونه (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) أي يخلق الله اللبن وسيطا بين الفرث والدم يكتنفانه ، وبينه وبينهما برزخ لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كلّه ، قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقرّ في كرشها طبخته ، فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما ، والكبد مسلّطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجري الدم في العروق واللبن في الضروع ويبقى الفرث في الكرش ، ثم ينحدر ، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر ، وسئل شقيق عن الإخلاص فقال : تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين فرث ودم (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) سهل المرور في الحلق ، ويقال لم يغص أحد باللبن قط ، ومن الأولى للتبعيض لأن اللبن بعض ما في بطونها ، والثانية لابتداء الغاية.
٦٧ ـ ويتعلق (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرها (١) ، وحذف لدلالة نسقيكم قبل (٢) عليه ، وقوله (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) بيان وكشف عن كنه الإسقاء ، أو تتخذون ومنه من تكرير الظرف للتوكيد ، والضمير في منه يرجع إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير ، والسكر الخمر سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا نحو رشد رشدا ورشدا ، ثم فيه وجهان أحدهما أنّ الآية سابقة على تحريم الخمر فتكون منسوخة ، وثانيهما أن يجمع بين العتاب والمنة ، وقيل السّكر النبيذ وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ثم يترك حتى يشتدّ ، وهو حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهماالله إلى حدّ السّكر ، ويحتجان بهذه الآية وبقوله عليهالسلام : (الخمر حرام لعينها والسّكر من كلّ شراب) (٣) وبأخبار جمة (وَرِزْقاً حَسَناً) هو الخلّ والرّبّ والتمر والزبيب وغير ذلك (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
٦٨ ـ (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) وألهم (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) هي أن المفسرة ، لأنّ الإيحاء فيه معنى القول ، قال الزّجّاج : واحد النحل نحلة كنخل ونخلة والتأنيث
__________________
(١) في (ز) عصيرهما.
(٢) في (ظ) و (ز) قبله.
(٣) النسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا.