تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) (٦٦)
(لَلْحُسْنى) (١) وأنّ لهم الحسنى بدل من الكذب (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) مفرطون نافع ، مفرّطون أبو جعفر ، فالمفتوح بمعنى مقدّمون إلى النار معجّلون إليها من أفرطت فلانا وفرّطته في طلب الماء إذا قدمته ، أو منسيّون متروكون من أفرطت فلانا خلفي إذا خلّفته ونسيته ، والمكسور المخفف من الإفراط في المعاصي ، والمشدد من التفريط في الطاعات ، أي التقصير فيها.
٦٣ ـ (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي أرسلنا رسلا إلى من تقدّمك من (٢) الأمم (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) من الكفر والتكذيب بالرسل (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) أي قرينهم في الدنيا تولّى إضلالهم بالغرور ، أو الضمير لمشركي قريش ، أي زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم ، أو هو على حذف المضاف أي فهو ولي أمثالهم اليوم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في القيامة.
٦٤ ـ (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) القرآن (إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ) للناس (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) هو البعث ، لأنه كان فيهم من يؤمن به (وَهُدىً وَرَحْمَةً) معطوفان على محلّ لتبيّن إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب ، ودخلت اللام على لتبيّن لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
٦٥ ـ (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع إنصاف وتدبر ، لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه لا يسمع.
٦٦ ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) وبفتح النون نافع وشامي وأبو بكر. قال الزّجّاج سقيته وأسقيته بمعنى واحد ، ذكر سيبويه الأنعام في الأسماء المفردة الواردة على أفعال ولذا رجع الضمير إليه مفردا ، وأما في بطونها في سورة المؤمنين فلأن معناه الجمع ، وهو استئناف ، كأنه قيل كيف العبرة؟ فقال : نسقيكم مما
__________________
(١) فصلت ، ٤١ / ٥٠.
(٢) في (أ) إلى الأمم.