(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩)
٧ ـ (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) أحمالكم (إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) وبفتح الشين أبو جعفر ، وهما لغتان في معنى المشقة ، وقيل المفتوح مصدر شقّ الأمر عليه شقا ، وحقيقته راجعة إلى الشقّ الذي هو الصّدع ، وأما الشّقّ فالنصف ، كأنه يذهب نصف قوته لما ينال من الجهد ، والمعنى وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه لو لم تخلق الإبل إلّا بجهد ومشقة فضلا أن تحملوا أثقالكم على ظهوركم ، أو معناه لم تكونوا بالغيه بها إلا بشقّ الأنفس ، وقيل أثقالكم أبدانكم ومنه الثقلان للجنّ والإنس ومنه : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (١) أي بني آدم (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح.
٨ ـ (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) عطف على الأنعام ، أي وخلق هذه للركوب والزينة ، وقد احتجّ أبو حنيفة رحمهالله على حرمة أكل لحم الخيل بأنه علل خلقها للركوب والزينة ولم يذكر الأكل بعدما ذكره في الأنعام ومنفعة الأكل أقوى ، والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم أن يذكر في مواضع المنّة أدنى النعمتين ويترك أعلاهما ، وانتصاب زينة على المفعول له عطفا على محل لتركبوها ، وخلق ما لا تعلمون من أصناف خلائقه وهو قوله (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) ومن هذا وصفه يتعالى عن أن يشرك به غيره.
٩ ـ (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) المراد به الجنس ولذا قال (وَمِنْها جائِرٌ) والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد ، يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم ، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمّه السالك لا يعدل عنه ، ومعناه أنّ هداية الطريق الموصل إلى الحقّ عليه ، كقوله : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) (٢) وليس ذلك للوجوب إذ لا يجب على الله شيء ولكن يفعل ذلك تفضّلا ، وقيل معناه وإلى الله ، وقال الزّجّاج : معناه وعلى الله تبيين الطريق الواضح المستقيم والدعاء إليه بالحجج ، ومنها جائر ومن (٣) السبيل مائل
__________________
(١) الزلزلة ، ٩٩ / ٢.
(٢) الليل ، ٩٢ / ١٢.
(٣) في (ز) ومنها جائر أي من السبيل.