(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (٦)
٣ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وبالتاء في الموضعين حمزة وعليّ ، وخلق الإنسان وما يكون منه وهو قوله :
٤ ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) أي فإذا هو منطيق مجادل عن نفسه ، مكافح لخصومه ، مبيّن لحجته بعد ما كان نطفة لا حسّ به ولا حركة ، أو فإذا هو خصيم لربّه ، منكر على خالقه ، قائل من يحيي العظام وهي رميم ، وهو وصف للإنسان بالوقاحة ، والتمادي في كفران النعمة ، وخلق ما لا بدّ منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وحمل أثقاله وسائر حاجاته وهو قوله :
٥ ـ (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ) هي الأزواج الثمانية ، وأكثر ما يقع على الإبل ، وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (١) أو بالعطف على الإنسان ، أي خلق الإنسان والأنعام ، ثم قال خلقها لكم ، أي ما خلقها إلّا لكم يا جنس الإنسان (فِيها دِفْءٌ) هو اسم ما يدفأ به من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر (وَمَنافِعُ) وهي فسلها ودرّها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) قدّم الظرف وهو يؤذن بالاختصاص ، وقد يؤكل من غيرها ، لأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم ، وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبطّ وصيد البرّ والبحر ، فكغير المتغذى (٢) به كالجاري مجرى التفكّه.
٦ ـ (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ) تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) ترسلونها بالغداة إلى مسارحها ، منّ الله تعالى بالتجمّل بها ، كما منّ بالانتفاع بها ، لأنه من أغراض أصحاب المواشي ، لأنّ الرّعيان إذا روّحوها بالعشي وسرّحوها بالغداة تزيّنت بإراحتها وتسريحها الأفنية ، وفرحت أربابها وكسبتهم (٣) الجاه والحرمة عند الناس ، وإنما قدمت الإراحة على التسريح لأنّ الجمال في الإراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع.
__________________
(١) يس ، ٣٦ / ٣٩.
(٢) في (ظ) و (ز) فكغير المعتد به.
(٣) في (ز) أكسبتهم.