(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٩٤)
٩٠ ـ (كَما أَنْزَلْنا) متعلق بقوله ولقد آتيناك أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا (عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) وهم أهل الكتاب.
٩١ ـ (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أجزاء ، جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء حيث قالوا بعنادهم بعضه حقّ موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما ، فاقتسموه إلى حقّ وباطل وعضوه ، وقيل كانوا يستهزئون به فيقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول الآخر سورة آل عمران لي ، أو أريد بالقرآن ما يقرؤونه من كتبهم وقد اقتسموه ، فاليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض ، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض ، ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوبا بالنذير ، أي أنذر المعضّين الذين يجزّئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين ، وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كلّ مدخل متفرقين لينفّروا النّاس عن الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر ، ويقول الآخر كذاب ، والآخر شاعر فأهلكهم الله. ولا تمدن عينيك على الوجه الأول اعتراض بينهما ، لأنه لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدد (١) لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ، ومن الأمر بأن يقبل بكليّته على المؤمنين.
٩٢ ـ ٩٣ ـ (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أقسم بذاته وربوبيته ليسألنّ يوم القيامة واحدا واحدا من هؤلاء المقتسمين عما قالوه في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو في القرآن ، أو في كتب الله.
٩٤ ـ (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) فاجهر به وأظهره ، يقال صدع بالحجّة إذا تكلّم بها جهارا من الصّديع وهو الفجر ، أو فاصدع فافرق بين الحقّ والباطل من الصدع في الزجاجة وهو الإبانة (٢) ، بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كقوله (٣) : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) هو أمر استهانة بهم.
__________________
(١) في (ز) مدار.
(٢) زاد في (ز) بما تؤمر ، والمعنى.
(٣) القائل مختلف فيه ، قيل خفاف بن ندبة (ت نحو ٢٠ ه) وقيل عباس بن مرداس (ت نحو ١٨ ه) ، والقول صدر بيت عجزه : فقد تركتك ذا مال وذا نشب.