(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٣٥)
اسجدوا له ، ودخل الفاء لأنه جواب إذا ، وهو دليل على أنه يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل.
٣٠ ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) فالملائكة جمع عام محتمل للتخصيص ، فقطع باب التخصيص بقوله كلّهم ، وذكر الكلّ احتمل تأويل التفرّق فقطعه بقوله أجمعون.
٣١ ـ (إِلَّا إِبْلِيسَ) ظاهر الإستثناء يدلّ على أنه كان من الملائكة لأنّ المستثنى يكون من جنس المستثنى منه ، وعن الحسن أنّ الاستثناء منقطع ولم يكن هو من الملائكة ، قلنا غير المأمور لا يصير بالترك ملعونا ، وقال في «الكشّاف» كان بينهم مأمورا معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثني بعد التغليب كقولك رأيتهم إلا هندا (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) امتنع أن يكون معهم ، وأبى استئناف على تقدير قول قائل يقول هلّا سجد؟ فقيل : أبى ذلك واستكبر عنه ، وقيل معناه ولكن إبليس أبى.
٣٢ ـ (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) حرف الجر مع أن محذوف تقديره ما لك في أن لا تكون مع الساجدين ، أي أيّ غرض لك في إبائك السجود.
٣٣ ـ (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) اللام لتأكيد النفي ، أي لا يصح مني أن أسجد (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).
٣٤ ـ (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) من السماء ، أو من الجنة ، أو من جملة الملائكة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرود من رحمة الله ، ومعناه ملعون لأنّ اللعنة هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها.
٣٥ ـ (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ضرب يوم الدين حدا للعنة ، لأنه (١) أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم ، والمراد به إنك مذموم مدعوّ عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب ، فإذا جاء ذلك اليوم عذّبت بما ينسى اللعن معه.
__________________
(١) عند كلمة لأنه ينتهي النقص في (أ).