(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤٢)
٣٦ ـ (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) فأخرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
٣٧ ـ ٣٨ ـ (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) يوم الدين ، ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد ، ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة ، وقيل إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت ، لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وأنظر إلى آخر أيام التكليف.
٣٩ ـ (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للقسم ، وما مصدرية ، وجواب القسم (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) والمعنى أقسم بإغوائك إياي لأزيّننّ لهم المعاصي ، ونحو قوله بما أغويتني لأزينن لهم (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) (١) في أنه إقسام إلّا أنّ أحدهما إقسام بصفة الذات والثاني بصفة الفعل ، وقد فرق الفقهاء بينهما ، فقال العراقيون : الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين ، والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين ، والأصح أنّ الأيمان مبنية على العرف ، فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ، والآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال. وحملهم على التسبيب عدول عن الظاهر (فِي الْأَرْضِ) في الدنيا التي هي دار الغرور ، وأراد إني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء ، فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).
٤٠ ـ (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وبكسر اللام بصري ومكي وشامي ، استثنى المخلصين لأنه علم أنّ كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه.
٤١ ـ ٤٢ ـ (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) أي هذا طريق حقّ عليّ أن أراعيه ، وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلّا من اختار اتّباعك منهم لغوايته ، وقيل معنى عليّ إليّ. عليّ يعقوب ، من علو الشرف والفضل.
__________________
(١) ص ، ٣٨ / ٨٢.