(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (٦)
أهل اللغة لأنها وضعت للتقليل.
٣ ـ (ذَرْهُمْ) أمر إهانة ، أي اقطع طمعك من ارعوائهم ودعهم عن النهي عما هم عليه والصّدّ عنه بالتذكرة والنصيحة وخلّهم (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) بدنياهم (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) ويشغلهم أملهم وأمانيّهم عن الإيمان (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء صنيعهم ، وفيه تنبيه على أنّ إيثار التلذذ والتنعّم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين.
٤ ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) ولها كتاب جملة واقعة صفة لقرية ، والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (١) وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف إذ الصفة ملتصقة بالموصوف بلا واو فجيء بالواو تأكيدا لذلك ، والوجه أن تكون هذه الجملة حالا لقرية لكونها في حكم الموصوفة كأنه قيل وما أهلكنا قرية من القرى لا وصفا ، وقوله كتاب معلوم أي مكتوب معلوم ، وهو أجلها الذي كتب في اللوح المحفوظ وبيّن ، ألا ترى إلى قوله :
٥ ـ (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) في موضع كتابها (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) عنه (٢) ، وحذف لأنه معلوم ، وأنثّ الأمّة أولا ثم ذكّرها آخرا حملا على اللفظ والمعنى.
٦ ـ (وَقالُوا) أي الكفار (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) أي القرآن (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) يعنون محمدا عليهالسلام ، وكان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٣) كيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون ، والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم سائغ ، ومنه : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٤) (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٥) والمعنى إنك لتقول قول المجانين حيث تدّعي أنّ الله نزّل عليك الذكر.
__________________
(١) الشعراء ، ٢٦ / ٢٠٨.
(٢) في (ز) أي عنه.
(٣) الشعراء ، ٢٦ / ٢٧.
(٤) آل عمران ، ٣ / ٢١. والتوبة ، ٩ / ٣٤. والانشقاق ، ٨٤ / ٢٤.
(٥) هود ، ١١ / ٨٧.