(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٢)
علينا الجزع والصبر ، والهمزة وأم للتسوية.
روي أنهم يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع ، فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر ، ثم يقولون سواء علينا أجزعنا أم صبرنا.
واتصاله بما قبله من حيث إن عتابهم لهم كان جزعا مما هم فيه ، فقالوا لهم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها ، يقولون ما هذا الجزع والتوبيخ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) منجّى ومهرب جزعنا أم صبرنا ، ويجوز أن يكون هذا من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعا.
٢٢ ـ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) حكم بالجنة والنار لأهليهما وفرغ من الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، وروي أنّ الشيطان يقوم عند ذلك خطيبا على منبر من نار فيقول لأهل النار (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفّى لكم بما وعدكم (وَوَعَدْتُكُمْ) بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء (فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) (١) من تسلط واقتدار (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) لكني دعوتكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني ، والاستثناء منقطع لأنّ الدعاء ليس من جنس السلطان (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) فأسرعتم إجابتي (فَلا تَلُومُونِي) لأنّ من تجرّد للعداوة لا يلام إذا دعا إلى أمر قبيح مع أنّ الرحمن قد قال لكم (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (٢) (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) حيث اتبعتموني بلا حجة ولا برهان ، وقول المعتزلة هذا دليل على أنّ الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه وليس من الله إلا التمكين ولا من الشيطان إلا التزيين باطل لقوله : لو هدانا الله ، أي إلى الإيمان لهديناكم كما مر (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) لا
__________________
(١) في (ز) : «فأخلقنكم» كذبتكم (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ).
(٢) الأعراف ، ٧ / ٢٧.