(فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٩٧)
(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) النبات الغضّ النامي من الحبّ اليابس (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) الحبّ اليابس من النبات النامي ، أو الإنسان من النّطفة والنّطفة من الإنسان ، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، فاحتج الله عليهم بما يشاهدونه من خلقه لأنهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء فهو يقدر على بعثهم ، وإنما قال ومخرج الميّت بلفظ اسم الفاعل لأنه معطوف على فالق الحبّ لا على الفعل ، ويخرج الحيّ من الميّت موقعه موقع الجملة المبينة لقوله فالق الحبّ والنّوى لأن فلق الحبّ والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحيّ من الميّت لأن النامي في حكم الحيوان دليله قوله (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (١) (ذلِكُمُ اللهُ) ذلكم المحيي المميت هو الله الذي يحقّ له الربوبية لا الأصنام (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فكيف تصرفون عنه وعن تولّيه (٢) إلى غيره بعد وضوح الأمر بما ذكرنا.
٩٦ ـ (فالِقُ الْإِصْباحِ) هو مصدر سمي به الصبح أي شاقّ عمود الصبح عن سواد الليل أو خالق نور النهار (وَجَعَلَ اللَّيْلَ) (٣) وجعل الليل كوفي ، لأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي ، فلما كان فالق بمعنى فلق عطف عليه جعل لتوافقهما معنى (سَكَناً) مسكونا فيه ، من قوله (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) (٤) أي ليسكن فيه الخلق عن كدّ المعيشة إلى نوم الغفلة ، أو عن وحشة الخلق إلى الأنس بالحقّ (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) انتصبا بإضمار فعل يدل عليه جاعل الليل ، أي وجعل الشمس والقمر (حُسْباناً) أي جعلهما علمي حسبان ، لأنّ حساب الأوقات يعرف (٥) بدورهما وسيرهما ، والحسبان بالضم مصدر حسب كما أنّ الحسبان بالكسر مصدر حسب (ذلِكَ) إشارة إلى جعلهما حسبانا أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الذي قهرهما وسخّرهما (الْعَلِيمِ) بتدبيرهما وتدويرهما.
٩٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ) خلقها (لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)
__________________
(١) الروم ، ٣٠ / ١٩.
(٢) في (ز) تواليه.
(٣) في (أ) و (ظ) وجاعل وهي قراءة سبعية مناسبة لشرح المصنف.
(٤) القصص ، ٢٨ / ٧٣.
(٥) في (ظ) و (ز) يعلم.