(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦)
بمعنى مع أي رأيت الكواكب مع الشمس والقمر ، وأجريت مجرى العقلاء في (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) لأنه وصفها بما هو المختص بالعقلاء وهو السجود ، وكررت الرؤيا لأنّ الأولى تتعلق بالذات والثانية بالحال ، أو الثانية كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابا له ، كأن أباه قال له : كيف رأيتها؟ فقال : رأيتهم لي ساجدين ، أي متواضعين ، وهو حال ، وكان ابن ثنتي عشرة سنة يومئذ ، وكان بين رؤيا يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنة أو ثمانون.
٥ ـ (قالَ يا بُنَيَ) بالفتح حيث كان حفص (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ) هي بمعنى الرؤية إلّا أنّها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة ، وفرّق بينهما بحرفي التأنيث كما في القربة والقربى (عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) جواب النهي ، أي إن قصصتها عليهم كادوك. عرف يعقوب عليهالسلام أنّ الله يصطفيه للنبوة ، وينعم عليه بشرف الدارين ، فخاف عليه حسد الإخوة ، وإنما لم يقل فيكيدوك كما قال فكيدوني لأنه ضمّن معنى فعل يتعدى باللام ليفيد معنى فعل الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمّن ، فيكون آكد وأبلغ في التخويف ، وذلك نحو فيحتالوا لك ، ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر وهو (كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العدواة فيحملهم على الحسد والكيد.
٦ ـ (وَكَذلِكَ) ومثل ذلك الاجتباء الذي دلت عليه رؤياك (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) يصطفيك ، والاجتباء الاصطفاء افتعال من جبيت الشيء إذا حصّلته لنفسك ، وجبيت الماء في الحوض جمعته (وَيُعَلِّمُكَ) كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه ، كأنه قيل وهو يعلّمك (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي تأويل الرؤيا ، وتأويلها عبارتها وتفسيرها ، وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا ، أو تأويل أحاديث الأنبياء وكتب الله ، وهو اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) بأن وصل لهم نعمة الدنيا بنعمة الآخرة ، أي جعلهم أنبياء في الدنيا وملوكا ونقلهم عنها إلى الدرجات العلى في الجنة ، وآل يعقوب أهله وهم نسله وغيرهم ، وأصل آل أهل بدليل تصغيره على أهيل إلّا أنه لا يستعمل إلا فيمن له خطر ، يقال آل النبي وآل الملك ولا يقال آل الحجّام ولكن أهله ، وإنما علم يعقوب أنّ يوسف يكون نبيا وإخوته أنبياء استدلالا