(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٥٤)
رسول إلا واجه قومه بهذا القول لأنّ شأنهم النصيحة ، والنصيحة لا يمحّضها إلا حسم المطامع ، وما دام يتوهّم شيء منها لم تنجع ولم تنفع (أَفَلا تَعْقِلُونَ) إذ تردّون نصيحة من لا يطلب عليها أجرا إلّا من الله وهو ثواب الآخرة ، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك.
٥٢ ـ (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) آمنوا به (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) من عبادة غيره (يُرْسِلِ السَّماءَ) أي المطر (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) حال ، أي كثير الدرر (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) إنما قصد استمالتهم إلى الإيمان بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين ، فكانوا أحوج شيء إلى الماء وكانوا مدلّين بما أوتوا من شدة البطش والقوة ، وقيل أراد القوة بالمال ، أو على النكاح ، وقيل حبس عنهم القطر ثلاث سنين ، وعقمت أرحام نسائهم ، فوعدهم هود عليهالسلام المطر والأولاد على الإيمان والاستغفار ، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه وفد على معاوية فلما خرج قال له بعض حجابه : إني رجل ذو مال ولا يولد لي علمني شيئا لعلّ الله يرزقني ولدا ، فقال الحسن : عليك بالاستغفار ، فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشرة بنين ، فبلغ ذلك معاوية فقال : هلّا سألته مم قال ذلك؟ فوفد وفدة أخرى فسأله الرجل ، فقال : ألم تسمع قول هود : ويزدكم قوة إلى قوتكم ، وقول نوح : ويمددكم بأموال وبنين (وَلا تَتَوَلَّوْا) ولا تعرضوا عني وعما أدعو إليه (مُجْرِمِينَ) مصرّين على إجرامكم وآثامكم.
٥٣ ـ (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) كذب منهم وجحود ، كما قالت قريش لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) (١) مع فوت آياته الحصر (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) هو حال من الضمير في تاركي آلهتنا ، كأنه قيل وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) وما يصح من أمثالنا أن يصدّقوا مثلك فيما يدعوهم إليه ، إقناطا له من الإجابة.
٥٤ ـ (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) إن حرف نفي فنفى جميع القول
__________________
(١) يونس ، ١٠ / ٢٠. الرعد ، ١٣ / ٧ و ٢٧.