قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٨)
(عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) وفيه إيذان بأنّ قرابة الدين غامرة لقرابة النسب ، وأن نسيبك في دينك وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك ، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة في ذمه كقولها : فإنما هي إقبال وإدبار (١). أو التقدير إنّه ذو عمل ، وفيه إشعار بأنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوّته. عمل غير صالح عليّ ، قال الشيخ أبو منصور رحمهالله : كان عند نوح عليهالسلام أنّ ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق وإلّا لا يحتمل أن يقول ابني من أهلي ويسأله نجاته وقد سبق منه النهي عن سؤال مثله بقوله (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) فكان يسأله على الظاهر الذي عنده ، كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليهالسلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى أطلعه الله عليه ، وقوله ليس من أهلك أي من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة في السر والظاهر (فَلا تَسْئَلْنِ) اجتزاء بالكسرة عن الياء كوفي ، تسألني بصري ، تسألني مدني ، تسألنّ شامي فحذف الياء واجتزأ بالكسرة ، والنون نون التأكيد ، تسألنّ مكي (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) بجواز مسألته (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) هو كما نهى رسولنا بقوله (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٢).
٤٧ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أي من أن أطلب منك في المستقبل ما لا علم لي بصحته تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) ما فرط مني (وَتَرْحَمْنِي) بالعصمة عن العود إلى مثله (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
٤٨ ـ (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) بتحية منّا أو بسلامة من الغرق (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) هي الخيرات النامية ، وهي في حقه بكثرة ذريته وأتباعه ، فقد جعل أكثر الأنبياء من ذريته ، وأئمة الدين في القرون الباقية من نسله (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) من للبيان فتراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات ، أو قيل لهم أمم
__________________
(١) القائلة هي الخنساء وهو عجز بيت صدره : لا تسأم الدهر منه كلما ذكرت.
(٢) الأنعام ، ٦ / ٣٥.